بدعة الجماعة الوطنية..
عبدالله دوبلة
عبدالله دوبلة –
ما الذي يجعل بعض المواطنين “جماعة وطنية” فيما آخرون محرومون من هذه الصفة. كمواطنين درجة ثانية أو “عيال خالة” في الوطن.
في الحقيقة لا وجود لهذه البدعة “الجماعة الوطنية” كمفهوم أو مصطلح يعبر من خلاله عن كل الوطن والمجتمع في الأنظمة الديمقراطية الليبرالية بل هناك مجتمع وتيارات سياسية متنافسة فيه على الحكم من خلال الحصول على أغلبية لا يشترط لها أن تعبر عن كل المجتمع بقدر ما تعبر عن أغلبية من بين مجموعة من المتنافسين إذ ربما تكون عدد الأصوات التي حصلت عليها التيارات الخاسرة أكثر بكثير من تلك الأصوات التي حصل عليها التيار الفائز.
فإن تجتمع تلك الأطراف السياسية الخاسرة في الانتخابات على خصومة التيار الفائز فهي مسألة يمكن فهمها كجماعة معارضة في مقابل جماعة موالية ومثل هذه الحالة شيئ مألوف وطبيعي في الأنظمة الديمقراطية والليبرالية لكن اجتماع تلك التيارات المعارضة مع بعضها لا يعطيها الحق في إدعاء تمثيل كل المجتمع والوطن كما يعبر عنه من خلال المصلح العجيب “الجماعة الوطنية” لتبرير الانقلاب العسكري الذي حصل مؤخرا في مصر.
أما حين يؤتى ببعض الرموز الدينية “كإمام الأزهر وبابا الكنيسة” إلى تلك الفئة المعارضة لإضفاء صفة “الجماعة الوطنية” عليها فهو انتكاسة حقيقة لفكرة الليبرالية والديمقراطية حيث لا صفة تمثيلية للرموز الدينية لتعبير عن المواطنين فأساس الفكر الليبرالي والديمقراطي هو أن المواطن الفرد والحر هو المعبر عن نفسه وخياراته والقول أنه يعبر عنه من خلال الكنيسة أو الجامع هو فكر كهنوتي بامتياز..
لكن لا أحد يقول هنا أن التيار الفائز يمتلك الحق في مصادرة كل الوطن لصالحه أو يحرم التيارات المعارضة من حقها في المعارضة والاحتجاج والتظاهر لفرض تصور مشترك لإدارة الدولة وتطبيع الحياة السياسية خاصة في تلك البلدان التي لا تزال تتحول إلى الديمقراطية.
إلا أن الذي حدث في مصر مؤخرا يتجاوز هذه الفكرة إلى فكرة أخطر هي إلغاء تيار كبير في الوطن وكسره من خلال قوة الجيش التي يفترض أنها محايدة وأن وظيفتها حماية الحدود لا ممارسة السياسية والانحياز لطرف على حساب طرف آخر.
فالخلافات السياسية أمر طبيعي في الأنظمة الديمقراطية إلا أنها تعالج عادة بالتسويات السياسية لا بالقسر والجبر وهدم الإطار الدستوري كنظام معتبر لا كآلية ديمقراطية للوصول للحكم وإنما لحسم الخلافات السياسية أيضا.
لا أحد يجادل الآن حول ما إذا كانت ثورة أو انقلاب الذي حدث مؤخرا في مصر فأي كان هو لم يكن أمر جيد وقد زاد من حدة الانقسام والاستقطاب في المجتمع المصري والأخطر أنه لم يبق أي آلية سياسية ودستورية معتبرة لحسم الخلاف الحاصل.
إلا أن ما يهمني هنا هو أن لا شيئ اسمه الجماعة الوطنية في النظام الديمقراطي والليبرالي بل هو أقرب لتلك الحجج الاستبدادية التي كانت تقسم المواطنين بين الشعب وأعداءه..
فالجماعة الوطنية باختصار إنتاج ضحل لبرامج تلفزيونية مصرية مؤخرا الغريب هو أن تجد من يقدم نفسه كمثقف و ليبرالي يحاجج تحت هذه الحجة لا لشيء إلا أنه يبغض جماعة ما لكن متى كان البغض يهدي إلى الحق..