العمر الجميل

● يحتل المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه موقفا متميزا في المشهد الثقافي الفرنسي بل وفي المشهد الثقافي العالمي حاليا. كما قدم العشرات من الكتب. وصدر له قبل أسابيع كتاب جديد: “العمر الجميل”.
يبتعد ريجيس دوبري في الكتاب عن عالم الإعلام ومكانته في مجتمعات اليوم كي يكرس تفكيره لظاهرة يجد أنها في غاية الخطورة بالنسبة لمجتمعات اليوقت الحالي مجتمعات ما بعد الحداثة وهي “ظاهرة المراهقة” في الفكر والسياسة والممارسة التي غدت نموذجا كما يشرح دوبري في الحياة والسلوك. وترادفت وتزامنت مع أخرى يحددها دوبري في كون “مظهر الشباب الشبوبية- غدا بمثابة واجب ينبغي القيام فيه”.
ومثل هذه الميل لـ”الاحتفاظ بسن الشباب” ولو في سن تجاوزت الخمسين يجد المؤلف الكثير من علاماته ودلالاته في سواد الشعر الذي يحتفظ فيه الرجال وبالطبع النساء حتى سن متقدمة. وكأن هناك وراء ذلك “إرادة واعية من أجل وقف تقدم الزمن”.
ودلالة أخرى على “الشبوبية” يدرجها المؤلف وتتمثل في ذلك الحرص المحموم على أن يبقى الجلد من دون تجعدات بحيث يبدو أبناء الستين من نساء ورجال وكأنهم وقفوا عند العشرين من العمر. وكذا بالتوازي مع الميل للاحتفاظ بالشباب يحذر ريجيس دوبريه من طقوس عيش اللحظة الحاضرة والمباشرة وكأنه ليس هناك شيء اسمه الماضي أو آخر اسمه المستقبل. لكن المطلوب هو تحقيق كل شيء وفورا. وهذا الميل لعيش الحاضر يجد ما يوازيه ويتزامن معه مثل البحث عن “المال الحاضر :
 “المال السهل” بعيدا عن تقديم أي جهد والاكتفاء بـ”قاموس لغوي” مختزل يقتصر على بضع عشرات من الكلمات والبحث عن كل معلومة مطلوبة في شبكات الانترنت. ويرى المؤلف أن هذه المظاهر كلها التي تصب في تمجيد الشباب الدائم وفي عيش اللحظة الراهنة المباشرة. وهو يشن عليها هجوما شديدا.
ويحذر دوبري في هذا السياق أيضا من ردود الأفعال التي تواجه فلسفة اللحظة الراهنة المباشرة بنوع من إضفاء الطابع الأسطوري على الإرث الخاص مهما كانت طبيعته.
لكن هل نحن محكومون بتمجيد “الشباب الدائم”¿ يسأل ريجيس دوبري كي يقدم على صفحات كتابه مدى خطورة مثل هذا التمجيد لينتقل بعد ذلك إلى التأكيد على ضرورة محاربة هذا الميل.
تتمثل إحدى النتائج الأساسية التي يخلص إليها مؤلف الكتاب في القول إنه تحت حجة التأقلم مع التكنولوجيات المتقدمة وتطبيقاتها المختلفة يحدث التخلي بصورة شبه كاملة عن أي مشروع مستقبلي طويل الأمد. وبالمقابل فعندما يغدو المثال الذي ينبغي الاقتداء فيه: تحقيق الظهور عبر مختلف الوسائل الممكنة على غرار ما يعرف اليوم بـ”المثقف الإعلامي” وعندما يغدو ما هو راهن بمثابة قيمة بحد ذاته وعندما يغدو الحاضر نموذجا نهائيا مكتملا فإنه يغدو من الطبيعي أن يخضع المرء بالكامل لـرغبة إثارة الإعجاب لدى الآخرين ولاحتلال موقع في المشهد.
ويرفض ريجيس دوبري أن يكون البعد المعلوماتي هو وحده مستقبل الإنسان. ويؤكد أن “مغامرة الحياة” تتطلب وقتا لعيشها كما ينبغي. ويردد ما كان قد قاله أحد الشعراء وجاء فيه ما مفاده: “نرى شعلة في عيون الشباب لكن نشهد النور في عيون المتقدمين في السن”.

 المؤلف في سطور
 ريجيس دوبري. أحد أهم المفكرين في المشهد الثقافي الفرنسي المعاصر. بدأ مسيرته الفكرية كأحد المثقفين اليساريين الثوريين. إذ كان صديقا لتشي غيفارا وفيدل كاسترو. ثم أصبح مستشارا للرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران. واهتم أخيرا في تتبع دور الإعلام في الثقافة. من مؤلفاته: الثورة في الثورة.
 الكتاب: العصر الجميل – تأليف: ريجيس دوبري – الناشر: فلاماريون- باريس- 2013 – الصفحات: 110 صفحات – القطع: الصغير.

قد يعجبك ايضا