الكميم والبحث عن خطاب للمختارات الشعرية 2-2
عبد الرقيب الوصابي
عبد الرقيب الوصابي –
• وأما الفصل الرابع فقد تناول الباحث في مبحثيه العتبات المتقاطعة مع بقية المتعاليات وقد قارب العتبات المبثوثة أمام النصوص المختارة وخلفها ولإيضاح ذلك لجأ الباحث إلى عرض تحليلاته وتأويلاته وفق استشعاره أهمية هضم مبادئ المناص ومراعاة محدداتها من خلال الإجابة على أسئلتها المتبلورة في سؤال المكانية (أين) وسؤال الزمانية (متى) وسؤال الكيفية (كيف) وسؤال التداولية (ممن وإلى من)وسؤال الوظيفة (ماذا نفعل به¿) .. وغير ذلك مما هو واضح في اشتغالات الباحث في المبحث الأول وفيه قصد تفصيل القول فيما اتصل باللوازم الشفاهية والكتابية معتمدا في تناولاته الإسناد والأعلام والتراجم ومقاربا في الآن ذاته ما اتصل بالسياقات الداخلية والخارجية. وأما المبحث الثاني فقد أفرده الباحث لمقاربة فضاءات النصوص المختارة بتمظهراتها النثرية والشعرية وبتبايناتها بين الطول والقصر وبأشكالها البصرية وصيغها الإبداعية المختلفة.
وقد أنهى الباحث مقاربته بمباحث ثلاثة ضمها الفصل الخامس تناول فيه تشغيل التعالق بين النصوص المختارة واشتغاله في المختارات المقاربة. وقد سعى في “المبحث الأول” إلى ربط التعالق النصي بالخطاب ومعاينة ما لهذا التعالق من دور في تحديد مفهوم النص في التنظيرات النقدية الغربية وفي خطاب المختارات الشعرية الأندلسية. لينتقل بعد ذلك في “المبحث الثاني” إلى فحص تشغيل المختارات المقاربة له وتحليل حضوره فيها. وأما المبحث الأخير فقد قارب فيه اشتغال خطاب المختارات الشعرية عامة والأندلسية على وجه الخصوص بالتعالق النصي محاولا الكشف عن الدور الذي يضطلع به في تكوين هذا الخطاب الناهض كيانه بفعل تجميع النصوص أو تكرارها أو تنظيمها فيه. ولم ينس كالعادة أن يتبع كل فصل بخلاصة أو بتركيب وخلاصة لما توصل إليه أو للخطوات التي عمد إلى اتباعها في التحليل.
لقد أدهشتني هذه الرسالة الأكاديمية بما فيها من اشتغالات نقدية عميقة وناضجة تشف بدورها عن قراءات الباحث وغوصه العميق في مدارات متباينة ومتجاورة كما لفت انتباهي قدرة الباحث ووضوح تصوراته وجلاء رؤاه النقدية في الوقت الذي لم يتخل فيه عن صرامته المنهجية وتماشيه الدقيق والصارم مع محددات الإجراءات النقدية للمتعاليات النصية عند جيرار جينيت ولا يعني التزامه المنهجي وصرامته الواضحة – منهجيا – غياب بصمته الشخصية بل على العكس من ذلك فلعل أبرز ما يميز هذا البحث المتماسك والناضج حضور صوت الباحث فيه وتميز شخصيته ووضوح بصمته وعلو كعبه المعرفي الأمر الذي جعله يسطر أراءه النقدية بلا تردد في كل مبحث من مباحث رسالته القيمة وإن كان الباحث أحيانا يلجأ إلى تسريب أحكامه النقدية مشفوعة بما يعضدها ويقويها من آراء لباحثين آخرين ولعله ربما يقصد من وراء صنيعه ذاك اكتساب أكبر قدر ممكن من الآراء المناصرة لآراء تبناها في ثنايا إطروحته الأكاديمية القيمة وبما يوفر له غطاء احترازيا يضمن له عدم إثارة حفيظة العقلية المغاربية وهذا نراه كثيرا حين يسرب الباحث قناعات معرفية وفكرية مغايرة وصادمة في سطور هامش رسالته أي أنه ينأى بها عن أعين القارئ العادي ليجعلها في متناول القارئ النموذج الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها خذ مثالا على ذلك قوله عند حديثه عن صدى مرجعيات المختارات الشعرية الأندلسية: إن ارتكاز معظم المختارات الأندلسية على مرجعيات أندلسية أو مغاربية قد أصبح نسقا يحدد خطابها ويميزه فابن دحية وغيره ممن سبقه أو لحقه من المتخيرين الأندلسيين قد اعتمدوا في إيراد مختاراتهم على مرجعيات شعرية أندلسية ومغاربية مكتوبة وغير مكتوبة وابن سعيد قد اتكأ كليا على مؤلفاته الأخرى في تأليف مختاراته وبنائها كما أنه أقام تقسيماته على عمدة ابن رشيق. أما ابن الخطيب فقد تعالق كتابه مع كتاب العمدة ومع كتاب أستاذه بن ليون التجييبي ومع ابن رشد. وتسيد هذا النسق على خطاب المختارات الشعرية الأندلسية يكشف عن التعصب الخفي للثقافة الأندلسية.
والحق أن الثناء على الدكتور/ محمد مرشد الكميم وجهوده البحثية واجب عند هذا الحد فقد بذل الرجل كل جهده في الإحاطة بموضوعه وصبر صبرا جميلا في التحصيل العلمي فلم يترك مصدرا قديما يتعلق بموضوعه إلا وعاد إليه مستوعبا ومنقبا ولم يترك مرجعا حديثا في دائرة بحثه إلا وأفاد منه فبذل بذلك جهدا جديرا بالإعجاب والتقدير كما يحمد للباحث قدرته على الاستيعاب ونضج الاستنتاجات وسلامة العرض.
ماذا أريد أن أقول ¿
ما أريد أن أقوله هنا هو أني شعرت عند قراءتي للبحث ” عينة العرض ” أن كل سطر من سطوره مهم للغاية ومن الصعوبة بمكان القفز على أي فقرة من فقراته بل لعل هذا البحث هو البحر ذاته فمن أي الجهات جئته وجدت الماء.
ولعل الوقت سيسعفني – بمشيئة الله – لمناقشة أسئلة البحث التي وضع