تلويحة لذاكرة الغروب

حامد الفقيه

حامد الفقيه –
‮> في وداع زملاء الدفعة الثالثة هندسة ميكانيكية
كثيرا ما أشرقت الشمس وغابت , ومرت أيام وليالي نحسها بحر شمس الصيف أو ببرد شتاء ليالينا .غير أن شمس اليوم لن تمحى من الذاكرة , ولن ننسى حرها وهي تجلدنا بسياط الغروب …ذلك اليوم أسقطت فاجعته علينا كسفا من الحزن ..
يآآه كم حفظت ذاكرة الشمس ضحكاتنا, جهدنا, سهرنا, بكورنا, اعتصاماتنا بحثا عن حقوقنا..لم تنسى خطواتنا الحرجة الحالمة على بلاط الجامعة في يومنا الأول ونحن نعارك البرد القارس من ذمار, لم تنسى ارتباكات البحث عن قاعات كثرت أبوابها وضاعت أسماءها , حشر القيام بين يدي الامتحانات وتزاحم الشوق واللهفة أمام لوحة النتائج لكل ترم جامعي.
كان الأذان السادس تصدح لكل عام دراسي وهو فرضنا المنتظر لنلتم من كل محافظات الوطن ونعضد شروق الشمس بآمالنا , ونتباهى بقزح ألوان الغد من جداول المحاضرات , إلى متابعة أئمة المقرر إلى شح المعامل التطبيقية للمقرر النظري الحاكم .. ورغم ما ضاجعناه من ألم البحث عن ري حلمنا التعليمي إلا إن الكمال الجمالي رافق أيامنا وآنس ليالينا وجبر خواطر الرفاق الزملاء .. حتى أفزعت أيامنا البهية شمس الغروب ودنوها نحو فراق محتمل التأكيد .
طالما عزفنا أناشيد الصباح ترافقنا عزف وقع أقدامنا وهي تعزف للقاء, مع زملاء شكلنا سويا معزوفة خالدة بلحن قيثارة العلم وطرب روح الإخاء .. شكلنا وحدة ووطن .تكامل وبناء . محبة وسمو .
غروب شمس ذلك اليوم خنقت صوت النشيد وبزغ مع غروبها قمر الوجع والفرقة , ونحن نتلمس بعد الغروب وانتشاء الغسق خبرية حفل التخرج رغم شوقنا المسبق ليوم التخرج إلا أنه وازى زخم الفرحة وجع التشتت لروح الزملاء وفراق الرفاق .. فطغت مرارة الشتات على حلاوة فرحة التخرج .
حملت لوحة الغروب الجميلة دهورا لنا هذا اليوم لوحة سهاد رغم أن شمس الغروب ذلك اليوم تعاركت مع قدر الشتات آمادا حتى أدميت جنانها فصارت نار بعاد.
لقد أختنق النشيد في مراجل صدورنا فحال وجعا يسهد ليالينا ويجعل أيامنا ذكرى وشوق للقاء محتمل في يوم ستشرق شمسه ذات صباح .
يوم التخرج يوم نرقبه بفرح عارم ويوازيه مرارة وداع لدفعة سكنتها روح الفريق الواحد , وقادها حرف الألق من أول يوم إلى يوم الوداع هذا . زملاء خالطهم الحب فغشاهم ما غشا ورافقهم الحلم فتوارى عنهم اليأس .. خبروا الجهد حتى خالو النجوم منازلهم , وعاركوا الحقوق حتى بلغوا منها نصيب رغم الرياح الخريفية العتية التي واجهت أحلامهم وحقوقهم .
زملاء تعاركت الأيام حملهم رغم شح اليد وطول أعوام الدراسة وضياع الأجازات والراحة في كف التشرد بعيدا عن الأهل , ونقصا في موارد الحياة للأيام العصيبة التي تخطتها اليمن بثوب جديد حاكه ماهروا التغيير الكرام بقوافل أرواح شهداء شباب وجرحى طامحون لنور الغد المشرق .. لقد اختلطت أصواتنا مع شرائح الشعب ونحن ننقب عن حلم الحياة وحق العيش الكريم وطموحا في كراسي العدالة أن تستوي مقاعدها فبزغ فجرا بهي نبني عليه كل حرف أسرج ذات ظلام,ونعلو بهممنا إلى سدرة الطموح ..
يآآه لذاكرة غروب يومنا المالحة , كم أحرقتنا ذرات ملحها عندما اختلطت بتعرق الجهد وفزع الارتباك للوداع المرفوض والمفروض وداعا.
نشيدنا مرجل في الصدور , ودقات قلوبنا المضطربة تضرب دفوفها مع مواويل الحداء .
رفاقي ما أقرب الأمس رغم مرور خمس سنوات وزيادة يوم قلنا : ” هنا ابتدأ المشوار ” وما أصعب انتهاء حلم الأمس بغروب شمس يومنا الأخير وقدوم ليل الوداع .
زملاء العلم لقد شاهدنا سويا قزح الأحلام وكتبنا سويا على صفحة الحياة سطور وكلمات . وهاهي حتمية الوداع تلوح لنا بأياديها الصفراء غير أ لنا بغيث العمل وميدان النتاج ومواويل البناء ألف فرحة وعيد لقاء .
أحبابي : إن اختنق نشيدنا اليوم إلا أن خناجرنا ولادة بجوقات ومعزوفات الحياة . وستصدح يوما تلك الألحان مع بكور شمس الوطن الفتية وفي ميادين البناء الخلاقة.
رفاقي : سألوح بروحي على وجه الغروب وأقول ( وداعا ) , وحتما سيسطع صوت النشيد على وجه شمس لن تغيب ….

قد يعجبك ايضا