المخاطر الاقتصادية لضعف هيبة الدولة (2-2)

أ.د محمد أحمد الأفندي

 - لم يعد أحد يجادل اليوم في أن مستوى وحالة هيبة الدولة لها آثار ودلالات إيجابية أو سلبية على الحالة الاقتصادية لأي بلد  فلا يمكن عزل مضمون وجوهر هيبة الدولة عن المسار الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع وعن مستوى الازدهار والتقدم الاقتصادي أو انحداره وتخلفه وكل تلك الحالات مرتبطة بحالة مستوى هيبة الدولة.
أ.د/ محمد أحمد الأفندي –
لم يعد أحد يجادل اليوم في أن مستوى وحالة هيبة الدولة لها آثار ودلالات إيجابية أو سلبية على الحالة الاقتصادية لأي بلد فلا يمكن عزل مضمون وجوهر هيبة الدولة عن المسار الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع وعن مستوى الازدهار والتقدم الاقتصادي أو انحداره وتخلفه وكل تلك الحالات مرتبطة بحالة مستوى هيبة الدولة.
ترتبط هيبة الدولة كوظيفة اقتصادية للدولة بثلاثة أبعاد أساسية وهي : مناخ الاستثمار المرغوب والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأفراد والإدارة الرشيدة للموارد العامة التي تمكن من التخصيص الأمثل لها في الأولويات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع.
فالمناخ المرغوب للاستثمار الذي يعرف كما هو معروف بالمحددات الاقتصادية والسياسية والأمنية والتشريعية والإدارية وهذه المحددات ليست في الواقع إلا انعكاسا لوظائف الدولة الأساسية وعلى قدر كفاءة الدولة في إنجازها تتحقق هيبة الدولة.
ولذلك أولى الاقتصاديون الكلاسيكيون أهمية كبيرة لتقسيم العمل الاقتصادي بين الدولة والمجتمع فالدولة معنية في المقام الأول بتحقيق الأمن والاستقرار والعدل وقد عرفت هذه الوظائف بالوظائف التقليدية الأساسية التي تقوم بها الدولة – أي وظائف الدفاع والأمن والقضاء – وبالتالي فإن فاعلية الدولة في تحقيق هذه الوظائف الأساسية لا يعني إلا ممارستها لهيبتها في واقع الأمر.
وهكذا نجد أن قوة الصلة بين مناخ الاستثمار وهيبة الدولة كما تعكسها الوظائف التقليدية الأساسية لها آثار إيجابية على إنجاز مناخ الاستثمار الذي هو ركيزة النمو والتنمية الاقتصادية وأن ضعف هيبة الدولة عند تقصيرها عن أداء وظائفها الأساسية له تداعيات وعواقب خطيرة على مناخ الاستثمار ومن ذلك تدني الاستثمار وهروب رأس المال ومن ثم تدهور النشاط الاقتصادي الذي يعني مزيدا من البؤس والشقاء والفقر والبطالة فضعف هيبة الدولة يضعف قدرتها على إزالة العوائق الكابحة للاستثمار الخاص سواء كانت عوائق تشريعية أو عوائق تتعلق بمستوى ونوعية خدمات البنية التحتية والخدمات العامة أو كانت عوائق مؤسسية إدارية وسياسية تعوق حركة الاستثمار.
ومن جانب آخر تتحقق هيبة الدولة بفاعليتها وكفاءتها في انفاذ القانون وتطبيقه وخاصة القوانين والتشريعات الاقتصادية والمالية والاجتماعية ذات الصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأفراد من ذلك إنفاذ العقود وحقوق الملكية وقوانين الرعاية الاجتماعية والحد الأدنى والأعلى للمرتبات والمعاشات والتأمين الصحي والتعليم وهي حقوق مرتبطة كذلك بعدالة توزيع الثروة والدخل والتنمية الريفية والتنمية المتوازنة بين المناطق .
إن تأثير ضعف هيبة الدولة في هذا البعد يعني ضياع حقوق الأفراد وتسيد الظلم وسوء توزيع الدخل والثروة وتدني مستوى الاستثمار وبصورة محددة فإن ضعف هيبة الدولة هو سبب لهذه التداعيات وكذلك هو نتيجة لهذه التداعيات فالعلاقة بينهما هي علاقة دائرية متداخلة يمكننا أن نصفها بحلقة الضعف الخطيرة ولا يمكن كسر هذه الحلقة إلا باستعادة هيبة الدولة واستعادة قدرتها على حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للناس.
ويتعلق البعد الثالث لهيبة الدولة بمدى فاعلية الدولة في الإدارة الرشيدة للموارد وتلك قضية أساسية مرتبطة بمفهوم الحكم الرشيد. وأن من أحد أهم مقومات الحكم الرشيد هو مكافحة الفساد سواء كان فسادا صغيرا أو كبيرا أو كان استغلالا للنفوذ أو نهبا وهدرا للمال العام عندما تضعف هيبة الدولة يتسيد الفساد وينتشر في كل مفاصل الدولة لأن هيبة القانون ونفاذه قد انهارت ولأن المسائلة والشفافية قد ضعفت ولأن مصداقية السلطة التنفيذية أو القضائية بالالتزام بالسياسات المعلنة أصبحت محل استخفاف الفاسدين وعبث العابثين وكلما ضعفت فاعلية الدولة في تطبيق النظم والإجراءات واللوائح تضعف هيبتها وتتدنى نتيجة لذلك قدرتها على توفير السياسات والتنظيمات السليمة التي من شأنها تحفيز دور القطاع الخاص وضمان مناخ استثماري جاذب ومع ضعف هيبة الدولة تتدنى كفاءة تحصيل الموارد العامة من ضرائب وجمارك وغيرها إضافة إلى تكبد خزانة الدولة ملايين الدولارات بسبب تفجير أنبوب النفط والقطع المتكرر للكهرباء والتقطعات في الطرق التي ينفذها الفوضويون والمخربون الذين يستغلون ضعف الدولة أو مهادنتها مؤقتا ويعبثون بذلك بمقدرات البلاد الاقتصادية دون الشعور بأدنى مسئولية وطنية. بينما يتزايد الانفاق العام

قد يعجبك ايضا