استحضار الحكمة في إعادة تصحيح مسار الوحدة

كتب: المحرر السياسي


كتب: المحرر السياسي –
في ظروف استثنائية بالغة الدقة والحساسية يأتي الاحتفال بالعيد الوطني الثالث والعشرين لقيام الجمهورية اليمنية هذا العام واليمنيون يقفون أمام مفترق طرق وهم يبحثون عن مخارج آمنة للأزمة الراهنة التي يمر بها الوطن جراء تداعيات المشهد العام منذ نحو أكثر من عامين وتطلعهم إلى الخروج من تداعيات هذه الأزمة بأقل كلفة ممكنة .
ومما يدعو إلى التفاؤل ونحن نعيش اليوم الاحتفال بعيد الوحدة أن تتمكن الأطراف السياسية من استكمال جولات الحوار خاصة وقد قطع شوطا كبيرا في إطار تشخيص الأزمة وتهيئة الظروف والمناخات لإنجاز التسوية التاريخية التي تعيد تصحيح مسار الوحدة وتضع أسسا جديدة لبناء الدولة العصرية التي تقوم على مبادئ العدل والحرية والمساواة وتطبيق سيادة النظام والقانون والحكم الرشيد .
إن الخيار الذي ارتضته القوى السياسية على الساحة الوطنية – مشفوعا بآمال وتطلعات الملايين من أبناء الوطن في الداخل والخارج – هو الخيار الحضاري الذي أتاح لليمن فرصة تقديم نموذج حضاري يحتذى على مستوى دول ثورات الربيع العربي .. وهو الخيار السلمي الذي حظي بإعجاب وتثمين دول الإقليم والعالم مما استدعى التفافا وطنيا وأمميا غير مسبوق في دعم ورعاية هذه التسوية التاريخية بامتياز .
ومع الاعتراف بأن ثمة تحديات ذاتية وموضوعية ما تزال منتصبة أمام استكمال جهود التسوية السياسية إلا أن ثمة حقائق ناصعة لا يمكن لأحد إغفالها وهي المتمثلة في جدية الأطراف السياسية على صياغة مشروع وطني نهضوي يكون بديلا موضوعيا لحالات الاستلاب والنكوص التي اعترت التجربة اليمنية منذ ثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر المجيدتين مرورا بالأخطاء الاستراتيجية التي واكبت إعادة تحقيق وحدة الوطن في مايو 1990م لعل أبرز مظاهر تلك الأخطاء حرب صيف 1994م بالإضافة إلى التداعيات التي سحبت نفسها على مجمل عمليات البناء الوطني منذ تلك الأزمة والحرب وصولا إلى ثورة التغيير في فبراير 2011م بعد أن كانت أسبقية مؤشرات هذا التغيير قد سجلها الحراك الجنوبي السلمي عام 2007م .. وكلها إرهاصات وحيثيات حققت – فعلا – تطلعات الجماهير على امتداد الوطن في إجراء تغيير جذري و شامل للسلطة وبوسائل سلمية وحضارية. لقد تحمل الرئيس عبد ربه منصور هادي مسئولية قيادة الوطن في مثل هذه الظروف الاستثنائية بكل شجاعة واقتدار حيث تمكن – ومعه المخلصون – من البدء الفعلي والجاد في ترجمة المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة للتسوية السياسية والمدعومة دوليا فضلا عن قدرات الرئيس هادي – وبما يتمتع به من ملكات قيادية – على حشد الالتفاف الوطني حول ترجمة المبادرة الخليجية من ناحية وتأمين شرط مدخلات الدعم الدولي للتنمية خلال الفترة الانتقالية من ناحية أخرى فضلا عن تلك الخطوات الحكيمة والشجاعة في إطار تسوية أرضية الحوار والتي تجلت روعتها – أكثر ما يكون – في قرارات هيكلة القوات المسلحة والأمن والخطوات الإجرائية ذات الصلة بإعادة المسرحين والمبعدين من وظائفهم المدنية والعسكرية في المحافظات الجنوبية و إجراءات استعادة الأراضي والممتلكات المنهوبة في هذه المحافظات .. وكلها خطوات حظيت – ولا تزال – بارتياح كبير مفعم بالآمال العراض في مستقبل يبشر بالخير والاستقرار والنماء سواء على مستوى الداخل أو الخارج .
إن استلهام روح هذه المعاني والدلالات عشية الاحتفال بالعيد الوطني الثالث والعشرين لقيام الجمهورية اليمنية إنما يجدد الآمال في إمكانية تصحيح تلك الأخطاء التي صاحبت قيام هذه الجمهورية الفتية منذ مطلع تسعينيات القرن المنصرم وبما يعيد الألق إلى هذه المعاني والمضامين العظيمة التي اختزنتها واختزلتها في آن واحد قلوب اليمنيين عشية قيام الوحدة المباركة .. وها هي الظروف مواتية لأن يستحضر اليمنيون موروثهم الحضاري من الحكمة والبدء في صياغة المستقبل المتحرر من رواسب الماضي وسلبياته .

قد يعجبك ايضا