السياسات المائية في ميزان التقييم
محمد العريقي
محمد العريقي –
يجمع كل المهتمين بقطاع المياه على أن الإدارة الناجحة لهذا القطاع لا تنطلق في فراغ وإنما يلزمها إلى جانب التشريعات الداعمة سياسات وتوجهات وخطط وبرامج تأخذ طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع وهذا أمر طبيعي إذ أن أي جهد في هذا الاتجاه لن يكتب له النجاح ما لم يدعم بإجراءات فنية ومالية وتوعوية تتضافر على تنفيذها كل أطراف المجتمع وتقود بالأخير إلى تحسين استخدام الموارد المائية وتنمية مصادرها في إطار مفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية من خلال وضع برامج وخطط لتعظيم الفائدة من وحدة المياه وتقليص الفاقد وحماية المياه من التلوث والحفاظ على جودتها النوعية وكذا زيادة كفاءة الاستخدام وتوفير كميات كبيرة عن طريق سياسات الترشيد وتطوير الري وكفاءة استخدامات الموارد المائية في المشروعات الكبرى وزيادة عوائدها الاقتصادية وزيادة الانتاج العام والكلي بأقل وحدات من المياه المستخدمة وبترشيد فني وعملي.
ولا يخفي على أحد أن اليمن كانت تفتقر لرؤية محددة في كيفية التعاطي مع قضية المياه حتى السبعينات من القرن العشرين وطغى على هذا القطاع تعدد الجهات التي تجاذبت الاختصاصات والصلاحيات ولم تتبلور سياسة محددة تجاه هذا الموضوع إلا في منتصف الثمانينات بإنشاء المجلس الأعلى للمياه بدعم من الأمم عندما أنشئت هيئة الموارد المائية برئاسة المرحوم الأخ المهندس/جمال محمد عبده وأسند للهيئة مهمة وضع سياسة مائية بالتعاون مع الجهات المعنية الأخرى ونجحت العيئة خلال ثمان سنوات منذ إنشائها في انجاز عدد من الوثائق الخاصة بالسياسات والاستراتيجية ودعم هذا التوجه بخطوة أخرى في العام التالي من إنشاء الهيئة تمثلت في إصدار قرار جمهوري بتشكيل السكرتارية الفنية لإصلاح قطاع المياه والصرف الصحي.
غير أن القطاع المائي ظل لفترة طويلة مشتتا بين العديد من الجهات مما حد من تفعيل السياسات المائية فترسخت القناعة لدى الجهات المعنية بضرورة إعطاء القطاع المائي المزيد من الاهتمام والتخصص والإشراف واحتوائه بإطار ناظم واحد.
وكانت الخطوة الهامة التي ظل العديد من المهتمين ينتظرونها وهي إنشاء أول وزارة للمياه والبيئة في اليمن في إطار التشكيل الحكومي عام 2003م وكان وجود هذه الوزارة فرصة للبدء بهيكلة قطاع المياه فانضوت تحت مظلتها العديد من المؤسسات والهيئات المائية المختصة.
لقد أنيط بوزارة المياه والبيئة واحدة من أعقد مشكلات التنمية في اليمن وأهم تحدياتها هي مشكلة شح المياه واستنزاف الخزانات الجوفية وتحدي توفير مياه الشرب النقية للسكان في الحضر والريف ومعالجة الصرف الصحي وإدارة الموارد المائية وتخطيط استغلالها في ضوء قانون المياه كما يعكس إنشاء الوزارة تكون القناعة لدى الجميع بضرورة إيلاء المسئولية عن المياه لجهة حكومية واحدة تعمل على تنميتها وإداراتها بما يكفل من جهة تحقيق تنمية مستدامة لها ومن جهة أخرى مواصلة الإصلاحات الهيكلية في القطاع وتوسيع مشاركة المجتمعات الريفية المستفيدة في كلفة مشروعات مياهها وفي تحمل مسئولية إداراتها ولتحقيق إدارة رشيدة ومستدامة.
وخلال فترة وجيزة تمكنت الوزارة من ترتيب الكثير من الجوانب المتعلقة بالإدارة والسياسات المائية فبالإضافة إلى استصدار العديد من القرارات والقوانين المنظمة لحفر الآبار وضبط حركة الحفارات وإجراء تعديل في ‬