عن الهوية الحضارية اليمنية

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - حسنا يفعل المفكر محمد الحاضري حين يعمد إلى تفكيك البنية الحضارية والتاريخية اليمنية ومكونها الثقافي المتنوع التي تتنازعه العوامل الطبيعية والاجتماعية والسياسية.
عبدالرحمن مراد –

مقالة

حسنا يفعل المفكر محمد الحاضري حين يعمد إلى تفكيك البنية الحضارية والتاريخية اليمنية ومكونها الثقافي المتنوع التي تتنازعه العوامل الطبيعية والاجتماعية والسياسية.
فالهوية الثقافية التاريخية تتكون من مكونين أساسيين هما: الهوية التوحيدية والهوية الوثنية التي ترتبط بمظاهر الطبيعة. ولعل الملاحظ في مجمل ذلك أن امتداد الهوية الثقافية الوثنية التي ترتبط بمظاهر الطبيعة والنجوم والشمس والقمر انعكست في مفاهيم الناس كحقائق ترتبط بالعلاقة الجدلية بين الإنسان ومجمل تفاعلاته الحياتية فالذاكرة الشعبية ماتزال تحتفظ بساعات نزول الأمطار ومواعيد زراعة المحاصيل الزراعية وأثر حركة المؤثرات الكونية على السنبلة وعلى كمية الإنتاج وعلى الشجرة التي تتداخل معه في العمران وقد ترك الإنسان التاريخي نصا هو الأقرب إلى الأناشيد المعبدية في الحضارات الأخرى ولكنه ظل نصا شفويا متداولا تضيف وتحذف منه الذاكرة وتصفه إلى أن وصل إلى مرحلة التلاشي والاضحلال في زمننا دون أن تمتد إليه يد العناية والتوثيق ودون أن نستشعر مسؤوليتنا التاريخية والحضارية والانثروبولوجية نحوه وفي مقابل الهوية الثقافية الوثنية كانت هناك هويات توحيدية متعددة كالزبورية والتوراتية والإنجيلية.. والمتأمل قد يلحظ أن الثقافة الزبورية من حيث تداخل الظواهر الطبيعية كالريح وأثر النجوم والتغيبيات والسحر كانت متناغمة مع الثقافة الوثنية التي ترى في الشمس والقمر والنجوم كقوى مؤثرة يمكن الاستسلام لها وعبادتها كما أن هذه الثقافة أعني الزبورية كانت قائمة على قيم الإنتاج والصناعة وبفضلها تحولت اليمن التاريخية إلى مركز إنتاجي وصناعي تقصده القوافل.. وقد دل النص القرآني على مثل تلك المركزية في حديثه عن رحلة قريش الشتائية والصيفية.
ومع بداية الأفول الحضاري واشتداد الصراع بين الأكسومية والحميرية “النصرانية واليهودية” بعد حادثة الأخدود وغلبة الأكسوم على حكم اليمن ظلت الثقافة الزبورية والتوراتية هي الأكثر تأثيرا في المساق الحضاري والاجتماعي فالنصرانية “الإنجيلية” رغم تحكمها في المفاصل العامة للدولة التاريخية اليمنية إلا أنها لم تترك لها أثرا سوى القليس وظلت البنية الثقافية الحميرية المتناغمة مع الزبورية والتوراتية هي الحامل الطبيعي للثقافة التاريخية والأبعاد الحضارية اليمنية إلى هذا الزمن الذي نعيش فالصناعات الحرفية والحياكة وفن العمارة وفن الغناء وجل المظاهر الحضارية اليمنية التي تركتها الدولة التاريخية الحضارية اليمنية القديمة والممتدة عبر العصور والحقب المختلفة إلى منتصف القرن الماضي كل تلك المظاهر نجدها في الغالب ممهورة بالنجمة السليمانية وقد نجدها حتى في المساجد الأثرية والتاريخية ذلك أن الهوية الحميرية تناغمت مع الثقافة الإنتاجية والصناعية وظلت الحرفية والمهنية والصناعية الإنتاجية ممتدة فيهم حتى منصف القرن الماضي.
وفي إشارة الحاضري في بداية مقاله المنشور في العدد «17686» من صحيفة الثورة الناصة على أن الهوية الدينية اليمنية الحميرية تتكون من قسمين عربي وعبري فالعربية تمتد في اليزينة والعبرية تأخذ مسار النواسية كخيار وحيد دلالة على أن هذين الاتجاهين الثقافيين أخذا مسارين تاريخيين متوازيين بعد خروج الإنجيلية الأكسومية من المعادلة الوطنية ولم يلتقيا عند نقطة إذ ظلت العبرية النواسية ذات القيم الإنتاجية والصناعية «الوعي الإنتاجي الصناعي» على نواسيتها وعبريتها وذهبت الهوية اليزنية إلى الوعي العربي الصحراوي «وعي الغنيمة». وثمة إشارات في المراجع التاريخية وكتب السير تقول بذهاب وفد من قريش برئاسة عبدالمطلب لتهنئة سيف بن ذي يزن بانتصاره على الأكسوم وعند هذه النقطة أي نقطة الاتصال بالثقافة البدوية الصحراوية توقفت حركة التاريخ الحضاري اليمني وبدأت مرحلة حضارية جديدة خاصة بعد مقتل الملك سيف بن ذي يزن وغلبة الفرس على حكم اليمن وقد تنازعت مركزية هذه المرحلة قريش والفرس بدءا من البعثة بالإقرار ثم التحالف أي إقرار الفرس الذين كانوا يحكمون اليمن بالدين الجديد «الإسلام» والتحالف مع الدولة المركزية على قمع الحركات المناوئة بدءا من حركة الأسود العنسي وانتهاء بحركة الهيصم بن عبدالرحيم الحميري في مسور حجة لتبدأ بعد ذلك حالة من حالات التضاد والافتراق بين المركزيتين الحجازية والفارسية وظل التنازع مستمرا إلى هذه اللحظة في ظل غياب كلي للهوية الحضارية التاريخية والذات اليمنية الممتلئة بقيم الخير والحق والعدل وبروح البناء والعمران.
وفي تجليات المرحلة الأولى للإسلام التي تنتهي مع بدايات الدولة العباسية كانت اليزنية العر

قد يعجبك ايضا