النوم بين الوحوش

د.ياسين عبدالعليم القباطي

 -  يقترب المساء تنحدر الشمس وتصير إلى أفول وما زلنا نكابد عناء السير في مضيق مروان.. ابتعدنا مسير يومين عن آخر نقطة حدود سعودية في نهاية المضيق نقطة الموفجة غرفة حجرية مسقوفة
د.ياسين عبدالعليم القباطي –

> يقترب المساء تنحدر الشمس وتصير إلى أفول وما زلنا نكابد عناء السير في مضيق مروان.. ابتعدنا مسير يومين عن آخر نقطة حدود سعودية في نهاية المضيق نقطة الموفجة غرفة حجرية مسقوفة بخشب الوادي ترتفع على ربوة لحراسة الحدود بموجب معاهدة الطائف فقسمت قبائل يمنية هي وائلة ويام وهمدان. تحاشينا البدو حرس الحدود ونظرت بألم إلى العمود المبني من الحجارة والقضاض الأبيض الذي وضع كعلامة لرسم الحدود في نهاية مضيق مروان. تركنا الحدود وها أنا ألهث جريا بعد أخي عبدالولي – هو شاب سليم البنية لم يضعفه المرض مثلي فأنا سقيم البنية واهي العظام – و كلما اشتد السير وزاد قيض الشمس وارتفعت بفعلها حرارة جسمي يهاجمني الرعاف تسلقنا الصخور نغرس أقدامنا بين الرمال نزحف على الأربع حين ينقطع الوادي ويتحول مجرى نهره العتيق إلى صخر أملس مدارب سيل أو مواقع شلال حين كان المضيق في الزمن الغابر نهرا جاريا وكان الربع الخالي جنة عدن ثم تحول قبل ملايين السنيين إلى رمال متحركة تربض تحتها بحيرات هائلة من النفط .
ومع نهاية يومنا الثاني نكاد نترك سلسلة جبال جماعة وغمر وخولان خلفنا في الشمال الغربي وعلى يميننا جبال وقبائل الرزامات وقبائل همدان بن زيد. نقترب رويدا من وادي نشور والشمس إلى غروب القمر سيتأخر الليلة في الظهور نجمع الحطب نشعلها على سطح مدرب السيل الضاحة أو الصخرة التي تسلقناها للتو هي مكان آمن من الصعب أن تتسلقها الوحوش مرقدنا الليلة في كنف صخرة لم تهوö بعد إلى مضيق مروان وقبل أن يهجرنا ضوء الشفق ويغمرنا الغسق بظلامه وتذهب الشمس بعيدا لتنير أرضا أخرى وتتركنا في ظلام لا ينيره قمر جمعنا الحطب وصلينا المغرب والعشاء جمعا وقصرا وعلى الصخرة الملساء أشعلنا نارنا وأخذنا نفتش بين متاعنا القليل لنجد بقايا خبز ناشف وعلبة تونة وقليل من البسكويت كان ذلك عشاؤنا الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. وكان نوما هنيئا ارتفع فيه شخير عبدالولي لينافس عواء الذئاب وزمجرة الضباع وضرضرة النمور أما أنا فكان نومي خفيفا على الصخرة الملساء يزيد من خفته صرير عظامي بفعل مرضي المجهول كنت كلما خفتت النار أو قل لهيبها أقوم إليها فأذكيها بإضافة الحطب لأبقيها مشبوبة لتبعد عنا الوحوش فلا طاقة لي لأهرب منها أو لمصارعتها وضوء القمر يكشف ستار الليل والسحر يقترب وسيهل الفجر علينا بعد قليل وسنبدأ يوما جديدا وسيرا حثيثا إلى صعدة التي يقبع خلف أسوارها جنود السلال .
زقزقة عصافير مضيق مروان ترتفع مع أول خيوط ضوء السحر فخرجنا من أكياس النوم واتجهنا إلى عين الماء القريبة لنغتسل ونستعد لصلاة الفجر ونستعد ليوم مسيرنا الثالث في مضيق مروان. (ماهو يا احمد ¿ هل أنت جيعان ¿ لم يبق معنا شيئ من الزاد لقد نفد كل شيئ) . خاطبني عبدالولي . (مش مهم أنا لا أشعر بالجوع كل همي العودة إلى صنعاء وزيارة الأطباء الذين أخبرني عنهم عمي ناصر في المستشفى الجمهوري) رديت. (يا لله أصبحنا وأصبح الملك لله سنحث السير لننتهي من مضيق مروان بعد شروق الشمس).
وبعد مسير يومين في واد متعرج كفرع شجرة اليقطين نتلوى معه يمينا وشمالا كما يتلوى الثعبان في سيره تركنا وادي مروان الضيق كإسمه ودخلنا واديا فسيحا تقع على جوانبه شعاب وحقول وزرع وبدلا من سماع عواء الذئاب وزمجرة الضباع سمعنا نباح الكلاب فعرفنا أننا اقتربنا من المناطق الآهلة فالكلب حيوان أليف صديق الإنسان منذ آلاف السنين لا يعيش إلا بقربه. وبعد ساعتين من المسير في واد مقفر خال من الزراعة ظهر أمامنا أول مبنى حجري دائري مرتفع كانت تلك هي قشلة رهوان في نهاية وادي نشور وبها حرس الحدود قبائل ملك اليمن ويبتعدون مسير يومين من حرس حدود السعودية. نباح الكلب طمأنني ومنيت نفسي بلقمة ساخنة لا بد وأن الحصول عليها سيكون قريبا وسهلا فنحن نقترب من ديار قبائل العوجري في وادي نشور وهو من أغنى وديان صعدة فيه يزرع البن والرمان والعنب وتزرع الحبوب مثل الذرة والقمح والشعير .
توقفنا في نقطة رهوان الحدودية وكان العسكري بملابسه التقليدية يحمل البندق العربي وهو سلاح طويل يعمل بتعبئته بالبارود ووضع حجر صلب مدور أو كرة من معدن الرصاص يقذف عند اشتعال البارود ولا بد أنه صنع بصعدة فقد اشتهرت صعدة بتليين الحديد واشتهر السيف والنصل الصعدي عند العرب منذ القدم.
بعد السلام على العسكري وحين عرف أننا من بيت أبو حسن من آنس لم يطلب منا ما يثبت هويتنا بل بادرنا بالقول ( لا بد أنكم جائعون ) قلنا (نعم). فلم تمض أكثر من نصف ساعة إلا وكانت أمامنا سفرة من فطائر خبز دا

قد يعجبك ايضا