غياب العمل المؤسسي والنزعات الشخصية .. تفاقم الفساد
أ.د. عبدالله غالب المخلافي
أ.د. عبدالله غالب المخلافي –
العمل المؤسسي أو مؤسسة العمل هو الأصل في بناء وتطوير وتنمية المجتمعات والدول نامية كانت أو متقدمة وهذه الأخيرة لم تصل إلى ما وصلت إلا بانتهاجها والتزامها بالعمل المؤسسي وآلياته المؤسسية باعتباره الطريق الأوحد والأمثل والمرجعية الأولى والأخيرة لكل العاملين في الجهاز الإداري للدولة ومختلف المؤسسات والهيئات العاملة في إطار هذه الدولة أو تلك وليس الجهاز الإداري فقط وإنما جميع أجهزة ومؤسسات وهيئات الدولة وفي مختلف المستويات الوظيفية العليا والوسطى والدنيا جميعها تحتكم وتلتزم بالعمل المؤسسي وآلياته المؤسسية يحققون الأهداف والغايات التنموية المنشودة في مختلف مجالات الحياة ولا يوجد شخص كائنا من كان رئيس دولة أو حكومة أو وزير أو غيره إلى أدنى السلم الوظيفي في الدولة يعلو صوته أو مزاجه على صوت العمل المؤسسي.
إذا العمل المؤسسي تحكمه نظم ولوائح وقوانين وتشريعات تحدد فيه حقوق وواجبات العاملين في مختلف المستويات الوظيفية وفق هيكل تنظيمي ولوائح تنظيمية بما يتلاءم وطبيعة العمل ويحقق الأهداف المرجوة في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة وبما يحقق المصلحة الوطنية العليا.
إن الالتزام بنصوص القوانين والأنظمة واللوائح التي تنظم الأعمال وفق الهياكل الإدارية التي تتفق وتخدم طبيعة العمل في أي مؤسسة كانت وبشكل صارم مع عدم وجود أي انحرافات عن تلك المعايير القانونية والتنظيمية هي التي شكلت أقصر الطرق وحققت المعجزات في الدول النامية وبالذات دول النمور الآسيوية التي حققت إنجازات كبيرة في مختلف المجالات اقتصادية كانت أو ما ترتب على ذلك من تحقيق قفزات نوعية في المجالات السياسية والأمنية والاجتماعية والإعلامية والثقافية إلخ.. وأصبحت هذه الدول الآسيوية في مصاف الدول المتقدمة وخلال فترة وجيرة عجزت وتعجز بلادنا عن تحقيق مثل تلك الإنجازات في دول النمور الآسيوية على الرغم من ثراء وتنوع الموارد الاقتصادية وغير الاقتصادية في اليمن ونسارع إلى القول بأن عجز اليمن عن تحقيق مثل تلك الإنجازات يرجع في الأساس إلى تغييب العمل المؤسسي عن قصد وسبق إصرار المسئولين الحكوميين في معظم أجهزة الدولة والاعتماد على النزعات الشخصية والرغبات الفردية وابتداع آليات عمل تلبي رغبات ونزعات ومطامع ومطامح هذا الوزير أو هذا المسئول وتعليماته الإدارية التي لا تنتمي إلى أبسط القواعد الإدارية بل عادات إدارية تخدم أهداف المسئول الحكومي الذي يملك صنع القرار مع بعض من يعمل معه في مكتبه ويلبي رغباته وينتمي إلى حزبه ويحقق رغباته ونزعاته ولذلك يتم تجنيب النظم واللوائح والهياكل التنظيمية المؤسسية وتسود تلك العادات والنزعات والرغبات الشخصية والحزبية أحيانا والمناطقية أحيانا أخرى كبديل للعمل المؤسسي وآلياته المؤسسية الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تركز السلطات والمسئوليات والواجبات كلها في شخص المسئول الأول أو الوزير في هذه المؤسسة أو تلك.
وهذا بالضبط هو الذي يخلق بيئة غير قانونية وغير إدارية وبيئة عمل غير منضبطة وبالتالي بروز بيئة الفساد والإفساد وإعادة إنتاج هذا الفساد ماليا وإداريا بما يؤدي إلى انتشار ظاهرة الفساد الذي يأكل كل أخضر ويابس من موارد مادية وغير مادية وفي المحصلة النهائية انحراف الأداء ماليا وإداريا وهدر كبير للموارد الاقتصادية المختلفة وعدم بل والعجز عن تحقيق أي إنجازات تذكر بل بروز ظواهر اقتصادية خطيرة مثل ارتفاع معدلات الفقر وسوء التغذية وارتفاع معدلات البطالة وتدهور مستويات معيشة أغلبية أفراد المجتمع وهذا ما حدث ويحدث في اليمن للأسف الشديد.
كان الله في عون الوطن والمواطنين.. وبناء على ما سبق فإن العمل المؤسسي شيء والفساد وآلياته شيء آخر والفارق بينهما كالفارق بين السماء والأرض كما أن الفارق بينهما يتمثل في الحياة والبقاء أو الموت والفناء فانتهاج العمل المؤسسي بالضرورة يؤدي إلى حياة وبقاء ونماء الدولة والمجتمع بينما الفساد بكل أشكاله وألوانه يؤدي إلى الفناء والموت طال الزمن أو قصر وفي أحسن الأحوال فشل وعجز الدولة في تحقيق الغايات التنموية المنشودة بل سوء وتدهور الوضع المعيشي لعامة أفراد المجتمع وزيادة معاناة معظم أفراد المجتمع من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغلاء المعيشة وتدهور الخدمات التي تقدمها أجهزة الدولة بسبب انتشار ظاهرة الفساد بكل ألوانه وأشكاله ناهيك عن انخفاض متوسط الدخل الفردي على الأقل من حيث انخفاض القوة الشرائية للعملة الوطنية وارتفاع الأسعار وبالتالي انخفاض دخول ومرتبات وأجور الأفراد العاملين وموظفي الدولة وفي المحصلة النهائية “ظهور الحكوم