صناعة الطغاة

علي العماري

 - { الشعوب للأسف هي من تصنع الطغاة والإعلام يلعب دور المروج والمسوق لفكرة تأليه الأفراد والأشخاص والفارق بين أصنام قريش أنها كانت تصنع من التمور فيأكلونها عندما يجوعون أما أصنام اليوم فإنها هي من تأكل عبدتها بلا رحمة.
علي العماري –
{ الشعوب للأسف هي من تصنع الطغاة والإعلام يلعب دور المروج والمسوق لفكرة تأليه الأفراد والأشخاص والفارق بين أصنام قريش أنها كانت تصنع من التمور فيأكلونها عندما يجوعون أما أصنام اليوم فإنها هي من تأكل عبدتها بلا رحمة.
أغلب المجتمعات البشرية القديمة ومنها العربية قامت على نظام الأبوية والإيمان بالقائد المعلم والزعيم الملهم إلى حد التقديس تارة باسم الدين وتارة ثانية بمسميات أخرى.
وسيطرت صورة الزعيم على وعي ومخيلة الناس وتجذرت أكثر في عقولهم عبر عامل الدين حتى صار الاعتقاد السائد أن الطعن في شرعية الحاكم إساءة للذات الإلهية وطاعة ولي الأمر واجب وضرورة حتى لو أنه مشكلة مزمنة وعصية على الحل بالوسائل السلمية المهم تقبل به رغم كل سيئاته ولذلك بقي العرب يراوحون مكانهم غير قادرين على الحركة واللحاق بركب قطار الحضارة الإنسانية لعالمنا المعاصر ولجأوا في مقابل هذا الفشل إلى اجترار الماضي واسترجاع بعض صفحاته المضيئة بحثا عن بعض الوميض المشع بالأمل لتزويد الجيل الجديد بشحنات إشعاعية تنويرية مستمدة من حقب التاريخ العربي الإسلامي المشرق.
وظلت عقدة الزعامة وتضخيم دور القائد على حساب الشعوب واحدة من أهم أسباب تخلف الأمة العربية مع ما يزخر به عصرنا الراهن من نماذج إيجابية يمكن الاستفادة منها فأوروبا لم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام ولم تخرج من حالة الاحتراب والاغتراب والضياع إلا بعد أن تحررت من شرنقة عبادة الأصنام البشرية الزائلة والنظم الديكتاتورية والعائلات المالكة ثم انطلقت بسرعة كبيرة إثر ذلك نحو رحاب الوحدة والشراكة والتكامل والبناء والتصالح مع الذات.
الولايات المتحدة الأمريكية مثال آخر فلم تصبح امبراطورية قوية إلا بابتعادها عن تكريس صورة الزعيم الأوحد والتأكيد على الدور المحوري للشعب لاجتراح المعجزات وصناعة التاريخ والتغيير و كذلك السوفيت الذين أذهلوا العالم بغزوهم الفضاء الخارجي لأول مرة في التاريخ الإنساني بواسطة مواطن سوفيتي عادي من عامة الشعب اسمه يوري جاجارين وليس من قام بتلك المهمة شبه المستحيلة شخص الرئيس نيكيتا خرتشوف.
نعم الشعوب ولادة للخوارق والأبطال والزعماء وهناك نماذج كثيرة جدا ولكن أمر تقدمها لا يرتبط بالضرورة بشخص الرئيس أو الملك أو الأمير ويمكن أن يكون للزعامات شرف التخطيط والتوجيه والتمويل لبناء المشاريع العملاقة بيد أن نجاح ذلك يظل مرهونا بإعداد المجتمع إعدادا جيدا وسليما من جميع النواحي.
الصين شاهد حي يروي قصة نجاح التحام القيادة بالشعب حتى بلغت ذروة الريادة بإمكانيات بسيطة وخلال فترة زمنية قياسية.

قد يعجبك ايضا