ماض مؤبد
جمال حسن
جمال حسن –
تسير دراجة نارية وسط مخيمات في الساحة حيث يجلس حوثيون ويرش راكب بسلاح ناري بصورة عشوائية مما تسبب بقتل ثلاثة وإصابة آخرين. يرجح أن تكون وراء الحادثة جماعات سلفية كفعل انتقامي على مقتل شخص من جماعتهم بأيدي حوثيين بعد الاقتتال على صلاة التراويح. تعتقد تلك الجماعات انها كفكرة تنتعش على الصراع الطائفي. فشد مناصريها يأتي من وجود عدو مترصد لهم ثم هناك تعبئة جهادية. غير أن الخطورة في تعبئة الطرفين محاولتها عبر الدم التوسع وحشد مقاتلين أي تهيئة اليمن كجسد مكتمل على صراع طائفي. في الواقع يراهن الحوثي على توسيع كيانه من تلك الثيمة. فهو سيعثر على فرصة لوضع نفسه كحام للمذهب الزيدي وبالتالي فرض سيطرته على المنطقة الزيدية. هكذا ربما يظن. أما الجماعات السلفية وبتحالف ممكن مع الاصلاح فستراهن أيضا على تواجدها الكبير في كل المناطق اليمنية. مع ذلك يراهن الطرفين على حشد القبيلة أو جعلها الإداة الأكثر فعالية للمواجهة. كما أن هناك تضاريس يحتمل بناء عليها هذا الصراع أي الاشكاليات الحاضرة في المجتمع القبلي والرهان على اقحام صيغة عقائدية في الصراع القبلي. وتفجير هذا النوع من الصراع سيخلق بلبلة على الواقع اليمني. لكن هل ستنساق القبيلة في توهج من هذا النوع.
اعتقد أن القبيلة في اليمن أكثر واقعية مما نعتقد فهي تمتلك خبرة التعامل مع صراعاتها. لكن الطوق الايدلوجي الذي تنامى في اليمن خلال العقدين الأخيرين يهدد التعقل باندفاع الراديكالية. في الواقع لا يمكن التعامل مع القبيلة كجسد خارج اليمن بمعنى أن تهشمها يمكن أن يسمح لانبعاث القوة المدنية. مثل ذلك وهم. لأن هذا التفكك وسط جماعات تعاني من الفقر والجهل فإنها ستكون محرك هائل لقوة الراديكاليات. ولا يمكن كذلك خلق تكهنات ارتجالية. فالكثير منا أيضا لا يعرف كثيرا عن هذا المجتمع. أو ما نعرفه نحن كاشخاص ننتمي لواقع آخر من اليمن الضاجة بالتنوع الاجتماعي والذي راهنت راديكاليات وتشكل دولة بجسدها المشوه على امتلاك صياغة عامة سريعة التحضير لمفهومنا عن القبائل. فمثلا عبدالله بن حسين الأحمر شيخ حاشد كان يقول أن السلاح شخصية اليمني أو هويته. وأنت ترى المئات يحملون هذا السلاح مثقلون به تلك الحشود المواكبة للمشائخ الضاجة بالتسلح كيف تصور هذه الجماعات خارج هذا الطوق الغامض والممتلئ برهانات لا تساعد على الحياة. بمعنى أن الموت دائما احتمال في طريق اليمني. بينما يراهن الشيخ أو الجماعات النافذة على تأكيد مصالحه ونفوذه.
لكن اليمني يقاتل في اطارات زائفة ويخسر حياته دون أن تتشك له مصلحة. يموت كسلفي أو كحوثي أو كإصلاحي دون أن توجد أي مصلحة. حتى أن تلك الاكوام المستعدة للموت لا يمكنها كما تعتقد انها تكسب الجنة أو تحمي الدين الحقيقي. اليمني لا يؤمن كثيرا لكنه يرى أن حياته بلا إيمان لا معنى لها. إنه يراهن على هذا المعنى فيكون الموت الغالب. يتغول الحوثي كما الجماعات السلفية على فشل في التعليم وعلى افساد مجتمع كان قديما إنتاجيا إلى مجتمع يراهن على التطفل المعيشي. يمتلك الحوثي خبرة تاريخية في التعامل مع القبيلة والمجتمع اليمني. وهكذا نجح في السيطرة على منطقة كبيرة من الشمال اليمني. يراهن السلفي على جنته باقتداء الاسلاف. والطرفان دائما يضعان لنا الحياة في الوراء. ذلك يحاول استعادة حكم يرون حقه في البيت كان يجب تحويله إلى قضية تاريخية للقراءة وليس تأبيدها في الصراع. هل على اليمني أن يعيش إلى الابد في صراع السقيفة ومن كان أحق بالخلافة. هل نخرج من دوامة الطائفية والسلفية¿ هل محكوم بالحياة في ماض مؤبد أو موت مؤبد¿