العدالة الاجتماعية مسئولية مشتركة (2- 2)
أ.د محمد أحمد الأفندي
أ.د/ محمد أحمد الأفندي –
إن العدالة الاجتماعية التي تجسد المضمون الاجتماعي للنموذج التنموي الجديد هي مسئولية مشتركة بين الدولة (الحكومة) والمجتمع بهيئاته ومنظماته الاجتماعية.
فلا أحد اليوم يجادل في دور الدولة في تحقيق التماسك الاجتماعي والاستقرار الاجتماعي والدولة عندما تقوم بهذا الدور إنما تحققه من خلال مقاربتين أساسيتين.
المقاربة الحقوقية التي تعني التحديد الواضح للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في الدستور والقوانين والأنظمة ذات الصلة بمقاصد وأبعاد العدالة الاجتماعية.
والمقاربة العملية من خلال تحويل النصوص الحقوقية إلى آليات عمل وسياسات وبرامج للتنمية الاجتماعية التي من شأنها أن تجسد العدالة الاجتماعية بين الأفراد والتي أشرنا إليها في مقالنا السابق.
فالدستور اليمني الحالي يؤكد على جملة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ومنها ما ورد في المواد (24) (25) (26) (27) (28) (29) (31) التي أكدت على مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا وقيام المجتمع اليمني على أساس التضامن الاجتماعي القائم على العدل والحرية والمساواة والعمل والخدمة العامة وحماية البحث العلمي .
كما أكد الدستور في مواده (41) (42) (43) (44) (45) (46) (47) (48) ثم المادة (61) على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وحق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك على حق المواطنين جميعا في التعليم والرعاية الصحية تكفلها الدولة وحق الضمان الاجتماعي وحرية التنقل ومع كل هذه الحقوق المنصوص عليها والتي لها علاقة بمضمون و مقاصد العدالة الاجتماعية إلا أن الدستور لم يكن واضحا بما فيه الكفاية فيما يتعلق بالتأكيد على مسئولية الدولة في ضمان العيش الكريم والحاجات الأساسية للمواطنين التي منها السكن اللائق والمياه النقية والغذاء الصحي باعتبارها حقوقا تكفل كرامة الإنسان.
وقد انعكس هذا سلبا على ما جرى في العقود الماضية من تعامل غير مسئول وجاد فيما يتعلق بتصاعد مشكلتي الفقر والبطالة ونقص الخدمات واعتبارها مجرد اختلالات طبيعية خارجة عن الإرادة وليست انتهاكات لحقوق الإنسان وحقه في العدالة الاجتماعية.
واستتبع ذلك غياب الرؤية الصحيحة للعلاقة بين العدالة الاجتماعية وشكل نظام توزيع الثروة والدخل التي هي جد علاقة وثيقة.
فطبيعة واتجاه نظم توزيع الدخل بين القوى الاقتصادية المشاركة في عملية الانتاج لا يمكن فصلها عن متطلبات العدالة الاجتماعية.
فإذا كان توزيع الدخل وفقا لمبدأ المشاركة في الانتاج أي وفقا للانتاجية الحدية للعامل (أو الموظف) مثلا يمثل نظاما صحيحا من الزاوية الاقتصادية.
إلا أنه ليس كافيا من زاوية العدالة الاجتماعية فلا يكفي أن تقرر الدولة أن توزيع الدخل يتم وفقا لقوى السوق (أي وفقا للانتاجية الحدية فقط) لأن ذلك ليس مقبولا اجتماعيا ولأنه لا يحقق مستوى مقبولا من العدالة وحتى في النموذج الرأسمالي لم يعد هذا مقبولا ولذلك أجرى النظام الرأسمالي تعديلات على نظام توزيع السوق باستخدام الضرائب وتوفير الخدمات الاجتماعية لتصحيح قصور آلية السوق في توزيع الدخل.
وبالمقابل فإنه لم يعد صحيحا أن يتم توزيع الدخل وفقا لنظام الحاجة وإهمال مبدأ المشاركة لأن ذلك ليس مقبولا من زاوية العدالة الاجتماعية ولا من زاوية الكفاءة الاقتصادية معا فليس صحيحا أن يتساوى الناس مساواة مطلقة وتامة بالرغم من اختلاف مواهبهم وقدراتهم.
وقد رفض ماركس نفسه مبدأ المساواة المطلقة في توزيع الدخل أثناء المرحلة الانتقالية للاشتراكية وكان يرى أن التوزيع بحسب مشاركة كل عنصر في الناتج يكون أكثر قبولا.
لذلك أصبح اليوم من المعروف أن جميع نظم التوزيع في العالم تقوم على مبدأ المشاركة والحاجة وذلك ما تطبقه تقريبا دول العالم لأن هذا الاتجاه أصبح أكثر نجاعة في تحقيق الكفاءة الاقتصادية والكفاءة الاجتماعية معا وبالتالي أكثر قربا من تحقيق العدالة الاجتماعية وما هو مطلوب اليوم هو تصحيح العلاقة المغلوطة لسياسات الأجور وجعلها أكثر اتساقا وانسجاما مع كل من الكفاءة الاقتصادية والكفاءة الاجتماعية.
أي أننا بحاجة إلى قواعد دستورية واضحة فيما يتعلق بتحديد المرتبات والمعاشات والحد الأدنى والأعلى للأجور بما