ثورة الواجبات
المحامي محمد الشاوش
المحامي / محمد الشاوش –
الأحداث التي مرت بها البلد خلال الفترة الماضية وما أحدثته من تغييرات أمر ليس بالهين ولا البسيط بغض النظر عن الخلاف الحاصل على التسمية وهل كانت أزمة أم ثورة فالعبرة بما يحدث من تغييرات على كل المستويات وليس بالتسمية هو أمر عظيم وحسب فتح الطريق أمام اليمنيين لأجل المضي إلى مستقبل مشرق أكثر رحابة إن هم أحسنوا استغلال هذا التغيير والذي أزعم أنه لم يتهيأ كما هو متهيأ اليوم منذ ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين.
هذه التغييرات فتحت الباب واسعا وعلى مصراعيه لكل من يريد أن يطالب بحقوقه سواء كانت تلك المطالب محقة أو غير محقة وسواء كان يؤدي ما عليه من واجبات أم لا وهو ما فتح حرية التعبير المقرونة مباشرة بأفعال يتم ممارستها عمليا بشكل لم يسبق له نظير في تاريخ اليمن تحت يافطة ما سمي ثورة المؤسسات أو ثورة الحقوق.
هذه المطالبات كلها تأتي عبر طرق مشروعة من حق من قام بها أن يقوم بها لممارسة حقه في التعبير والمطالبة أولا بغض النظر عن مدى صحة تلك المطالب من عدمها مع أن هكذا مسلكا وهو المطالبة بحقوق غير مستحقة يوضح أن هناك استخدام سيئ لقضية الحقوق قد يقود إلى تساؤل عن الهدف من الاستخدام السيئ للحقوق وفي حقيبة منú مöن الأحزاب السياسية تصب تلك المطالبات وما هي الأهداف السياسية الحقيقية التي يقصدها من يقفون وراء تلك المطالبات التي تمثلت في إضرابات وتعطيل عمل المؤسسات وقطع للشوارع أحيانا وغيرها من المظاهر المشابهة.
ليس هذا موضوع المقال وإنما موضوعه هو إنه على قدر أهمية مطالبة كل فئة وظيفية في أي مؤسسة عامة بحقوقها وذلك أمر مشروع فإنه يجب بالمقابل أن يتداعى كل من يطالبون بحقوقهم للقيام بما عليهم من واجبات تجاه الوطن والمواطنين كذلك المواطنون الذين يترددون على الدوائر والمؤسسات العامة لغرض إنجاز معاملاتهم يوميا.
أجزم أن الأغلبية العظمى ممن طالبوا بتلك الحقوق لم يدر بخلدهم أن عليهم واجبات يجب عليهم القيام بها حتى قبل مطالبتهم بما لهم من حقوق فالحق والواجب متلازمان لا ينفكان عن بعضهما مطلقا ومتى ما قام المرء بما عليه من واجب استحق الحق المقابل له وكما يقال من أخذ الأجرة حاسبه الله على العمل, فمتى يدرك الناس عموما وموظفو الدولة على وجه الخصوص هكذا حقائق جعلها الزمن الأغبر الذي نعيش فيه في قائمة النسيان إلى درجة أن الكثير لا يريد حتى مجرد تذكر أن عليه واجبات مثلما يطالب بحقوقه في ظل غياب هيبة الدولة وعدم تطبيق القانون على الجميع سواء في ما يتعلق بالحقوق أو في ما يتعلق بالواجبات.
هناك أعداد كبيرة من موظفي الدولة لا يعملون مقابل ما يأخذونه من رواتب فالبعض لا يحضر إلى المؤسسة التي يعمل فيها إلا لاستلام الراتب والبعض الآخر قد يحضر يوما في الأسبوع فقط لمجرد الحضور وقد لا ينجز أي عمل خلال حضوره والبعض يأتي يوميا ليوقع توقيع الحضور وينصرف ثم يعود للتوقيع وقت الانصراف وهناك البعض الذي يعمل وإن كان العمل لا يمضي على الوجه المطلوب في أغلب المؤسسات العامة الساعة التاسعة صباحا وبعد مرور ساعة تماما من وقت بدء الدوام الرسمي إذا سمح لصاحب أي معاملة بالدخول إلى تلك المؤسسة من قبل الحراسة الأمنية قد لا يجد موظفا واحدا على مكتبه ومن حضر من الموظفين بعد ذلك يوقع ثم يذهب لتناول طعام الفطور خارج المؤسسة طبعا, ومع ذلك نسمع من وزارة الخدمة المدنية أن تقارير الالتزام بالانضباط الوظيفي فوق الـ80% من خلال كشوفات التوقيع التي يتم التحايل عليها بشكل أو بآخر في الوقت الذي نسبة إنجاز الأعمال الخاصة بالمتابعين من المواطنين تظل في حالة ركود دائم على حالها! لماذا لا تقوم وزارة الخدمة المدنية أو أي جهة أخرى رسمية بتقييم أداء مؤسسات الدولة أو حتى الموظفين من خلال ما قاموا به من أعمال أنجزوها ليكون التقييم هنا مبنيا على ما تم إنجازه من أعمال وليس على التوقيع بالحضور أو الانصراف والذي لا يظهر بالتأكيد إنجاز العمل فالحضور إلى مقر العمل لا يعني إنجاز العمل.
من نغالط وعلى من نضحك وأين التغيير الذي ننشده ومن سيقوم به إن لم نقم به نحن وأول شرارة من التغيير تبدأ من سلوك مؤسسات الدولة في التعامل مع النظام والقانون بدقة وتلك المؤسسات هي عبارة عن كادرها الوظيفي الذي يجب عليه الالتزام بوقت الدوام والعمل أثناء الدوام بأمانة وإخلاص كامل كأحد الأبجديات التي لا يختلف عليها اثنان في طريق تطبيق القانون والنظام.
للأسف الشديد أقول إننا نغالط أنفسنا ونضحك على أنفسنا ونخرب