قضية صعدة … رؤية اقتصادية استراتيجية
ا. د. طه احمد الفسيل

ا. د. طه احمد الفسيل –
قدمت الأحزاب والقوى السياسية إلى مؤتمر الحوار الوطني رؤيتها حول قضية صعدة كل من وجهة نظره السياسية وبهدف إثراء هذه الرؤى أشير بداية إلى أنه رغم أن المشاكل والنزاعات والصراعات الأهلية والحركات الانفصالية تختفي عادة تحت دواعي ومبررات سياسية وثقافية أو دينية أيدولوجية إلا أن العوامل الاقتصادية والتنموية تحتل نفس المستوى من الأهمية إن لم تكن هي الأهم. ولذلك فإنه إلى جانب الرؤى السياسية يمكن إضافة العوامل الاقتصادية التنموية والاستراتيجية باعتبارها من الأسباب الرئيسية التي ساهمت في نشؤ وبروز واتساع قضية صعدة خاصة في ظل الآثار والتداعيات الاقتصادية والتنموية العديدة التي نتجت عن هذه القضية.
كذلك فإنه مع التسليم بتشابك العوامل الداخلية والخارجية ( الإقليمية والدولية ) ومساهمتها في بروز ونشؤ وتصاعد النزاعات والصراعات الأهلية وتحولها إلى أزمات خطيرة وصراعات عنيفة مسلحة وحروب أهلية إلا أن العوامل الداخلية تشكل السبب الأساسي والعامل الأهم وكذلك المدخل والمبرر الرئيسي للتدخلات الإقليمية والدولية في شئون الدول حيث تستغل هذه القوى العوامل الداخلية والعمل على توظيفها وتوجيهها بما يخدم مصالحها وفي الوقت نفسه لتبرير تدخلاتها أمام المجتمع الدولي تحت دعاوى إنسانية.
أولا: العوامل الاقتصادية التنموية لقضية صعدة
يمكن إجمال العوامل الاقتصادية التنموية في جانبين الاستغلال المحدود الموارد الاقتصادية المتاحة والكامنة في المحافظة وتعدد التحديات والمشاكل الاقتصادية والتنموية التي تعانى منها.
فالنشاط الاقتصادي لمحافظة صعده يقوم على الإنتاج الزراعي (بشقيه النباتي والحيواني) حيث تشتهر محاصيلها الزراعية بارتفاع جودتها وطيب مذاقها وبالتالي ارتفاع الطلب عليها (داخل وخارج اليمن). ولذلك يمكن اعتبار المحافظة إحدى المصادر الأساسية لسلة غذاء اليمن (بعد محافظتي الحديدة والجوف) إذا ما تم استغلال المساحات الزراعية ومعالجة مشكلة شح المياه في المحافظة. كما أن موقعها الجغرافي وتنوع تضاريسها يجعل منها مركزا هاما من مراكز الإنتاج الزراعي والحيواني في اليمن.
كذلك يتوفر في المحافظة موارد معدنية وطبيعية عديدة مثل الحديد والنحاس والنيكل الكوبلت والجرانيت وأحجار البناء وكذلك تراثا حضاريا وتاريخيا وإسلاميا يتمثل في المواقع والآثار التاريخية العديدة تشكل في مجملها موارد اقتصادية متاحة وكامنة لقيام أنشطة اقتصادية وخدمية واسعة.
في المقابل فإنه على الرغم من توفر هذه الموارد والمقومات الاقتصادية واجهت محافظة صعده خلال العقود الماضية تحديات اقتصادية وتنموية شكلت بيئة مناسبة لبروز قضية صعدة واتساع نطاقها يأتي في مقدمتها محدودية الأنشطة الاقتصادية في المحافظة حيث ظل متركزا على نشاط الزراعة التقليدية وقد ترافق ذلك مع ضعف البيئة الجاذبة للاستثمار نظرا للتدني الشديد في مستوى البنى الأساسية وضعف الموارد البشرية. كما تعاني صعدة من انخفاض مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والخدمات العامة إذ لا يحظى بالمياه المأمونة سوى 16% من سكانها يحصلون عليها غالبا من شبكات ومصادر القطاع الخاص وكذلك الأمر نفسه بالنسبة لخدمات الصرف الصحي (16.7%) والتي تعتبر كلها تقريبا خدمات خاصة. ويحصل حوالي ثلث سكان المحافظة على خدمة الكهرباء تشكل الشبكات والمصادر الخاصة كذلك حوالي 80% من هذه الخدمة. وتصل التغطية بخدمة الهاتف الثابت إلى (2) خط لكل (100) مواطن في المحافظة والتغطية بالطرق الإسفلتية إلى (0.6) كم لكل ألف نسمة. وكان معدل الالتحاق بالتعليم الأساسي يصل إلى (66.5%) ينخفض إلى (27%) فقط للتعليم الثانوي. كما كان يوجد طبيب واحد فقط لكل (10.000) نسمة. وكل ذلك وفقا لبيانات خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة للتخفيف من الفقر 2001-2006م. وبدون شك فإن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والتنموية زادت سوءا في نهاية العام 2010م بعد ستة حروب متتالية لتحتل محافظة صعدة المرتبة الأخيرة (21) بين محافظات الجمهورية في دليل التنمية البشرية.
وعادة تشكل مثل هذه الأوضاع عوامل وأسباب أساسية لظهور وحدوث الاضطرابات الاجتماعية والنزاعات الأهلية خاصة إذا ما ترافق ذلك مع ارتفاع مستمر في تكاليف المعيشة ومعدلات البطالة وسوء توزيع الدخل والثروة وفي ظل بيئة اجتماعية وثقافية ترتفع فيها نسبة الأمية وتنتشر فيه كافة أنواع الأسلحة وتتجذر فيه الروابط القبلية مثل محافظة صعدة. ويتضافر كل ذلك بدعوة مذهبية أيدولوجية تعتبر صعدة مركزها والحاضن لها على مر تاريخ اليمن الإسلامي.
نخلص من ذلك إلى القول أن الاختلالات الاقتصادية والحرمان التنموي والاجتماعي إضافة للاختلالات الإدارية والسياسية كان لها دور رئيسي في ظهور
