قراءة في الرؤية والفن (1)

عبد الرحمن مراد


عبد الرحمن مراد –

يعد عبد الله عبد الوهاب نعما “الفضول ” شاعرا غنائيا بامتياز , وقل من عرفه سوى ذلك , أو عرف عنه شيئا غير الأغنية الوطنية والعاطفية وثنائيته مع الفنان الكبير أيوب طارش عبسي إلى درجة التأصيل النظري لتلك الثنائية كما هو حال بعض الدراسات ومنها دراسة محي الدين علي سعيد ( الظمأ العاطفي في شعر الفضول وألحان أيوب ..) وهي دراسة لم يسبق لي الإطلاع على مضمونها مع رغبتي في ذلك.
لقد كان فضول يعزف كثيرا عن النشر بدليل أنه لم يصدر له في حياته شيء من أثره الإبداعي وربما أكتفى بذلك الزخم الذي أحدثته أغانيه في الوسط الاجتماعي , وقد كانت تلك الأغاني نتاج احتراق فائض بالحب في سني العمر المتأخره ولم يسعها إلا أن تشق طريقها إلى قلوب الناس , وتتربع على عروش إحساساتهم بجهورية الصوت وروعة اللحن وجمال التقسيم الذي إمتد من الإحساس الشعبي وتغاير عنه محدثا قدرا كبيرا من الانتقال .
لقد ارتبطت بالفضول عن طريق أيوب ولم أقرأ له شيئا مكتوبا حتى قبل عام ونيف تقريبا حين وقع في يدي ديوانه المسمى (( أشعار الفضول )) الصادر عن الهيئة العامة للكتاب – صنعاء – 2009م فشكل إعجابي القديم مع وجود المادة دافعا نفسيا قويا لانجاز هذه الدراسة عن التجربة الإبداعية للشاعر الفضول , وقد حاولت فيها تقريب أبعاد الصورة العامة للفضول مبينا دوافع, وأسباب السخرية عنده , ومفهوم القضية الوطنية , ثم تتبعت الظاهرة الأسلوبية والفنية في شعره والمستوى الإيقاعي , وكيف استطاع تصوير تموجاته الوجدانية وتقنيته في ذلك ,مستقصيا الروح المبدعة وحركة الانتقال والتجديد التي أحدثها في المشهد الثقافي والأدبي العام .. وقد ظل مثل ذلك غائبا أو مغيبا بسبب ندرة الدراسات التي تناولته, ولعل تأخر النشر للأثر الإبداعي كان أبرز مبررات ذلك الغياب .
وقد أكون بهذه الدراسة قد أضأت قنديلا في كون ذلك العلم الشامخ من أعلام وأدباء الحركة الوطنية اليمنية الذين اختاروا طريق التحديث والتجديد فكابدوا كثيرا وعانوا شتى صنوف القهر حتى يشعلوا قبسا من نور في حياتنا.
والله من وراء القصد.
• • • •
تبدل الزمن … وسخرية الأقدار
تتحدث سيرة الشاعر عبد الله عبد الوهاب نعمان (( الفضول)) () أنه ينحدر من أسرة ذات مكانه اجتماعية مرموقة , وقد تعززت تلك المكانة في زمن الأتراك بتعيين والده الشيخ عبد الوهاب بيك نعمان قائم مقام منطقة الحجرية بمرسوم من الباب العالي في الأستانه.
ومع خروج الأتراك من اليمن عام 1918م وتسلم الأمام يحيى حميد الدين زمام الحكم في اليمن (1918-1948) فقدت الأسرة مكانتها السياسية وتبعا لها مكانتها الاجتماعية فانحازت بكل ثقلها إلى خيار المعارضة دفاعا عن وجودها ومكانتها وتشبثا بالوجود والبقاء , فكانت مشاركة والده في ثورة 1948م إيذانا للشاعر في مواجهة واقع جديد وحياة جديدة , بعد أن فقد والده حين طالته يد الانتقام التي سلها الأمام الجديد أحمد يحيى حميد الدين (1948- 1962م) وعلى إثر موت والده الشيخ عبد الوهاب بيك نعمان طوى الفضول مرحلة من الجاه والنعيم , لتبدأ على إثرها مرحلة الشقاء والتشرúد.
لم يكترث الفضول لما آل إليه الحال بل واجه واقع الجديد بالسخرية الجائزة منه ليتجاوز من خلال تلك السخرية ألمه المرير وفقده, ويتجاوز وحدته وغربته فكانت صحيفة (الفضول ) الساخرة هي القنبلة التي تنفجر في صلف الواقع وجبروته لتصوغة عالما كاريكا توريا غير متوازن وقد عززها بنصوص شعرية كانت أكثر تعبيرا عن كوميديا اللحظة الحياتية وتراجيديتها ذلك لأنه تجاوز من خلال سرده للحياتي واليومي في تلك النصوص سلطة الهو (الماضي ) ليحدث تعديلا مناسبا يتفاعل مع واقعه الجديد الذي بالضرورة أصبح متغايرا عن الواقع الاجتماعي الذي كان يعيشه كأبن قائم مقام الحجرية وشيخ اجتماعي له قيمته ومكانته التي لا يمكن لأحد أن يطالبه لذلك كان تكيفه مع حالة (فتوه الحارات) في عدن كما في نص (طيطو) () ليس أكثر من حفاظ على الذات في واقع طاغي وقاهر ومتغير :-
يا غارة الله ما للآثمين بناء
من غاية ما يرى فينا الزماليط
وقد كان لتداعيات النص أثر نتج عنه توتر زائد حمل إحساسا بالألم كما أوحت ردود الفضول على معارضيه وقد تحول الإحساس بالألم إلى إحساس باللذة معبرا عنها بالسخرية التي أنتهجها لمواجهته اللحظة الحياتية المؤلمة والقاسية:-
يا خيبة الدنيا فديت ملامحها
فلقد عرفتك مرة وكأنما
هل فيك داء (الجوع ) إن دواءه
والجوع ( بودر) بين (سكر) حلبة
دعج العيون وشوصها والعور ()
بحثوا بوجهك منكر ونكير
كدر تحمض شمه وفطير
ولقام فول فالبطون تفور
هذا الموقف الساخر من اللحظة الحياتية الجديدة التي أنتجها الواقع السياسي الجديد في تعز والمتغي

قد يعجبك ايضا