ذاكــــر المكـــان الـواقــع والأســـطورة

أحمد‮ ‬يحيى الديلمي

 - فلسفة الذاكرة
من الأسئلة التي‮ ‬حيرت الفلاسفة في‮ ‬كل الأزمنة المكان بمكونات حدوده وطبيعة وجوده هل له ذاكرة¿ وهل تستطيع ذاكرته أن تلتقط الأحداث مثل البشر¿
أحمد‮ ‬يحيى الديلمي –
فلسفة الذاكرة
من الأسئلة التي‮ ‬حيرت الفلاسفة في‮ ‬كل الأزمنة المكان بمكونات حدوده وطبيعة وجوده هل له ذاكرة¿ وهل تستطيع ذاكرته أن تلتقط الأحداث مثل البشر¿
تشعبت إجابة الفلاسفة وتفردت الفلسفة الدينية بالاستدلال على رؤية فقهية تحدثت عن ذاكرة صامتة تدون كل شيء بصمت لتكون من شهود الإثبات عند حشد الناس‮ ‬يوم الحساب الجامع لعامة الخلق‮.‬
بعض رواد الفلسفة الوضعيين قدموا هذه الرؤية من زاوية أخرى هي‮ ‬التي‮ ‬دفعت الشعراء إلى مخاطبة الأماكن كشاهد إثبات على أحداث جسام مرت عليهم جعلت الشعراء‮ ‬يخاطبون القصور والحصون والقلاع والجبال والبحار والأنهار‮ ‬يشهدونها على تقلبات وأحداث أرقت حياتهم بحيث اتسم الخطاب بالنجوى والمرارة عندما‮ ‬يكون المشكو به ظالما‮ ‬طاغية جبارا‮ ‬سواء كان الظلم قد وقع على الشاعر ذاته أو أنه مجرد شاهد إثبات نقل مشاهد حية لما ألم بآخرين من أبناء زمنه‮.. ‬يعتريه الخوف ويلجأ إلى الرمزية في‮ ‬الخطاب ومنها مخاطبة الأماكن لقناعته أنها ترقب كل شيء بصمت ولو قدر لها الكلام لباحت بأشياء مهولة تعجز عن الإفصاع عنها ألسنة البشر وإن اتصفت بالفصاحة وقوة المنطق‮.‬
هذا الخيال الواسع دفع الشعراء إلى محاولة استنطاق ذاكرة الŽماكن الصامتة وبثها الشكوى والهموم علها تنطق وتخفق من وطاة المظالم بعد أن تحجرت القلوب واستبد اليأس بالناس عن إمكانية إصلاح الحياة وتقويم اعوجاج بعضهم البعض هذه الآمال حولت مخاطبة الأماكن إلى ثقافة خاصة تختلف عن الوصف والتمجيد والغزل في‮ ‬المعالم وما تحويه الأماكن من مناظر خلابة أو مكونات مذهلة‮.‬
الثقافة الجديدة اقتصرت على الشكوى وبث الهموم واستشهاد الأماكن على الأحداث والوقائع التاريخية وإظهار حالات التبرم من التقلبات الجائرة التي‮ ‬طالت الأماكن وكان لها آثار بالغة القسوة على الانسان عندما تتأزم العلاقة بين البشر تنعدم الثقة ببعضهم‮ ‬يلجأون إلى الأشياء الجامدة للبحث عن الصدق والموضوعية والرغبة في‮ ‬معرفة الحقيقة لذاتها‮ ‬على هذا الاساس تتحدد وجهة الخطاب إذا تعلق الأمر بانحدار حضاري‮ ‬تخاطب الجبال وكل رموز الحضارة القديمة والانهار والبحار‮ ‬وعندما‮ ‬يكون الانحسار في‮ ‬الجانب الاعتقادي‮ ‬يوجه الخطاب إلى دور العبادة وعلى وجه الخصوص المسجد الحرام والكعبة المشرفة والمسجد النبوي‮ ‬والجامع الأقصى وكان الشاعر المؤمن بالمعتقد وبقضايا الأوطان وهموم المواطنين‮ ‬يجد في‮ ‬الشواهد والأماكن ملاذا‮ ‬آمنا‮ ‬يختصها بالخطاب وبث الهموم دون أن‮ ‬يخاف من رد الفعل أو العقاب البشري‮.‬
ربما استطاعت السطور التي‮ ‬أسلفت تقديم ولو ملمح بسيط عن البعد الفلسفي‮ ‬لذاكرة المكان التي‮ ‬تختزل الأحداث وترقب كل شيء بصمت ولو قدر لها أن تفصح عن ما تختزنه لأذهلت العقول وألجمت الأفواه‮ ‬لما تحتفظ به في‮ ‬رفوف ذاكرتها من أخبار وحكايات مهولة‮.‬
وهنا تكمن خطورة الوعيد الإلهي‮ ‬باعتبار الأماكن من شهود الإثبات الأساسية التي‮ ‬ستفصح عن كل الآثام والجرائم التي‮ ‬ارتكبت على ظهرها وتفضح كل من Žأقدم عليها على رؤوس الأشهاد وهو موقف صعب عندما‮ ‬يجد الإنسان نفسه أمام حقائق ناصعة وأدلة دامغة تواجهه بالآثام والأوزار التي‮ ‬اقترفها‮.‬
المشهد برمته‮ ‬يكشف عن عظمة العدل الإلهي‮ ‬فمع توفر كل براهين وأدلة الإدانة معززة بشهادة الأماكن والجوارح قال تعالى‮ (‬يوم تشهد عليهم أيديهم وأرجلهم‮)‬‮ ‬وقال تعالى‮ (‬اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا‮ ‬يكسبون‮).‬
في‮ ‬هذه الشواهد دليل على أن الخالق سبحانه وتعالى سيمنح كل إنسان الفرصة الكافية للدفاع عن نفسه بدليل التدرج في‮ ‬شهود الإثبات‮ ‬وقائمة الشهود هنا من نوع آخر ومن أشياء اتسمت بالجم

قد يعجبك ايضا