الشعوب ونخبها

جميل مفرöح

 - تتواجه القوى السياسية, تتنافس, تتكايد, وتتصارع أيضا, وحين نقول تتصارع يجب أن نبعد عن أذهاننا تماما احتمال كون هذه القوى المحرöكة للساحات والمتنازعة على قيادة دفتها, تعترك واقعيا في ساحات الوغى والصراع, أو تحمل
جميل مفرöح –
* تتواجه القوى السياسية, تتنافس, تتكايد, وتتصارع أيضا, وحين نقول تتصارع يجب أن نبعد عن أذهاننا تماما احتمال كون هذه القوى المحرöكة للساحات والمتنازعة على قيادة دفتها, تعترك واقعيا في ساحات الوغى والصراع, أو تحمل سيوفها وبنادقها وتتمرغ في تراب ودماء وضجيج تلك الساحات, أي كونها تتواجد فعلا بمشاركتها وجهودها وتضحياتها.. وإنما هي في الواقع تقود وتوجه وتختار كيفيات ومواقيت حروبها, وأقول هنا حروبها لا حروب شعوبها أو أممها, وتشن تلك الحروب والمواجهات والوقائع بأيادي سواها وسوى مثيلها ممن يقف على الجانب الآخر من نزاعاتها المفتعلة أغلب الأحيان, والتي قد لا تهم ولا تعني سواها.
* تشن حروبها عن بعد وهي ليست في موقع المتفرöج وحسب, وإنما في مقعد الكنترول الموجöه والمحرöك المتحكöم.. ومن الطبيعي أن تكون خساراتها ومكاسبها لا تتعدى السياسي والمعنوي الرخيص, بينما تحل الخسائر الفادحة (البشرية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية) على ذلك الـ(سوى) الذي لا يجد نفسه إلا فحما فاقد الأهلية والتحكم في موقد متحوöل الاتقاد وخاضع لإدارة وإرادة تلك القوى التي أصدق وأقرب ما يمكن أن تتصف به كونها “مستغلة” وأنانية وظالمة.
* من الذي تدركه الخسائر حين تدور أو تدار حروب السياسة وتدخل فيها تصرفات وأخلاق الإقصاء والأنانية والجشع السياسي¿
لا شك أن هذه القوى السياسية ستكون بمنأى عن ذلك, بل في المقابل ستكون هي من تستهدفها مآلات مكاسب ومصالح تلك الحروب الخرقاء.. لأن لا سواها سيكون في مقعد انتظار تلك المكاسب والاستفادة من تحققها, وفي مساحة الأمان والنجاة, في معظم الأحيان, مما يمكن أن يمثöل أو يشكöل خسارة, من أي نوع, لأن من الطبيعي الخاطئ في الواقع الملموس, غير الطبيعي في المفترض وفي ما يجب أن يكون, أن تصيب الخسائر ذلك الـ(سوى) الضحية الذي يحترق لإضاءة الطريق إلى مكاسب هذه الشريحة الذكية جدا.
* تجوع شعوب وتضنى أخرى, تشرد شعوب وتفنى أخرى, تأسى وتتلاشى وتطمر أمم من أجل نزوات سياسية ظالمة, تتمثلها وتمارسها حفنة من السياسيين الذين يصل بهم الاعتقاد المفرط والإيغال في الأنانية إلى حصر وجود وتكاثر الشعوب والأمم على تحقق تلك المكاسب الرخيصة في تقييم الأعراف والتقاليد والقيم والأخلاق والأديان أيضا.. ومع ذلك ما نزال نصر ونؤكد على اعتبار هذه الشريحة نخبا وقدوات ومثلا عليا, تستحق كل ما تخطöط له على صفحات دمائنا واحتمالات فنائنا من مكاسب ونجاحات.. والأدهى والأكثر وقعا وبعثا على الحزن والأسف من كل ذلك, أن نظل ندافع عن تلك النخب الضالة ونؤمن بأفكارها بشكل مطلق, وإن اتضح وتأكد لنا سوء مطالبها وأهدافها وأنانية حروبها ونزاعاتها..
* إن المدنية الحديثة والمنطق الفعلي والعقلي يفرض علينا اليوم كبشر طبيعيين أحياء أن نستيقظ من سباتنا, ونقيöم نخبنا عموما ونخبنا السياسية خصوصا, وأن نكون رقما فعليا وفاعلا في صنع قرار هذه النخب وتحقيق ما ترجوه وتسعى إليه من خلالنا من مكاسب ومصالح, لنكون بالتالي جزءا من تلك المصالح وأهدافها وخططها, وشريكا حقيقيا في صياغتها والاستفادة منها, لا مجرد وقود أو ثمن مقابل لتحققها لسوانا الذي يستغل وجودنا وفناءنا من أجله هو فقط.. ومن هنا فإنه لمن الواجب أن نؤمن بضرورة تحقق العدالة المتساوية في كلا الربح والخسارة بين الشعوب ونخبها, وإلا فإن نخبا مما جاء وصفه هنا لا تلزمنا على الإطلاق, بل وتستحق منا أن نقف في وجهها ونستبق استغلالها لنا بالمسارعة إلى تجميد فاعليتها تحت مستوى الصفر والتخلص من تبعيتها المجحفة.

قد يعجبك ايضا