صرخة

محفوظ عبدالله حزام


محفوظ عبدالله حزام –
نصبت نفسي أبا ومازلت طفلا أحتاج إلى أب رأيت أنه يجب أن أرعاك فكبرنا معا وحلمنا معا ورسمنا دربنا معا ويمر عقدان من الزمن وأنت تترعرع أمامي لتصبح شابا يانعا مشبعا بالأمل والعقلانية والطموح والوسامة وما إن نغادر عن بعض لأسباب اقتصادية يختار القدر القرية منفاك لتكون هي وطنك الأول وأمكث أنا ما بين المدينة والقرية لم أخش عليك من القرية رغم وعورة الدرب والتضاريس شعرت بالأمان أنك بين أهلك ورفاقك قلت في نفسي لن يكون العم بمقام الأب والأم ولم أتوقع أن أحدا سيغفل عنك ولم أكن مؤمنا بأنك ستشعر بالفراغ الموحش يوما كنت أسمع أنك متواصل في جامعتك وأزداد أمانا لم أعلم أن ذلك الفراغ سيسرقك من آمالك التعليمية والحياتية.
حين كنت تزورني ما بين الفينة والأخرى لم ألحظ عليك أي تغير أو اختلاف لم تكن إلا ذلك الطفل الشاب المستنير ربما احتراق الأوضاع أخذتني عنك قليلا لكني كنت معك لم تكن ظروفي سهلة حتى أتابعك حيثما كنت لقد أمنت أكثر حين أوجدت لك بديلا آمنا تتدارس معه حنينك للطموح وتبوح له عن آمالك وفي الفترة الأخيرة أفاجأ بأنك انحرفت إلى بديل لن يرضى لأحد السلامة طالما وهو يخالفه.. وحقا رأيتك قد تورطت معه كبديل.
بديلا سيحتضنك بعد أن يمسك تماما بإنسانيتك ويستغلها بطرق عدة باسم الدين والخلاص ولا تعرف في النهاية إلا وقد غسلت من رأسك حتى أخمص قدميك بشقافة الجنة والسماء لتلقى حتفك في حدث غامض يفضي إلى اسكان نقاء صوتك ودفء روحك.
أتذكر في آخر زيارة لك بعشنا معا حوارا صريحا ورحيما واقتنعت بأنك قد ظللت طريقك الأصل وعاهدتني بالعودة إلى مربعك الإنساني الحقيقي الفطري وغادرتني على عهد ووعد ورضاء وتابعتك بالاتصالات ووعدتني أنك لن تذهب إلى أي مكان حتى تزورني مرة أخرى وأفاجأ أنك قد غادرت مع القوم إلى مكان بعيد حيث الجبهة والمرابطة كما يزعمون لحظتها عرفت أنك كأنك قد التزمت معهم بشيء بل وتورطت أيضا وأفاجأ وأنا أتلقى اتصالا حميما منك وتعدني بالمجيء القريب كان اتصالك الطويل يريد أن يخبرني بأشياء كثيرة جدا لكنك كنت تخشى شيئا لا أعرف ما هو بالضبط لا يمكنك أن تتصور مدى خشيتي عليك كنت أرى أمامي بأنك قد وقعت حقا في شرك أوهامهم ولم أقو لحظة على أن أتصور بأن أرى أحلامك تغتال بطريقة قاسية يأخذك إليها بقوة وصدق وهم ممنهج تزرعها ثقافة دخيلة ظلت عن المسير تحت مبررات أوجدها اجتهاد قاصر من عقل إنسان غير كامل وقودهم في ذلك أمثالك من البراءة والعفوية والسلامة.
مرت شهران على غيابك وذهب أسبوع آخر على سماع صوتك لكني أجد أعماقي تشتعل عليك وتنشفل تركت كل شيء خطر ببالي أن أسافر إليك في مغامرة قاسية لكن كيف¿ وبينما كنت أفكر في ذلك قلت: سوف أرسل لك رسالة أولا لأني أعرف أنك روح نادرة لملاك إنسان تحترم كل شيء خاصة كل قول أو فعل تأتي به رياحي لم تصل الرسالة إلا في وقت متأخر قلت : لعل التغطية غائبة ولعل.. ولعل.. ولعل.. ازدت قلقا وما إن وصلت الرسالة فإذا بتلفوني يرن فتحت الخط مسرعا مواريا مفزوعا وجلا مرتجفا قلت: مبحوح الصوت ها ابني كيف أنت¿
فإذا بي أسمع صوتا ليس لك! يقول: بأنك صرت شهيدا
بأنك صرت شهيدا.

قد يعجبك ايضا