دعوة للبكاء الجماعي

خالد الصعفاني


خالد الصعفاني –

هناك حيث تتسابق المجتمعات المتقدمة على الإبداع والسبق والرفاه والرشد تبدو لنا النماذج العربية المتواضعة في المستوى والأفق والحال , ورغم التفاوت الحاصل بين مجتمع عربي وآخر إلا أنها في المجمل تأتي في منطقة الذيل الأممي حيث لا فارق كبير بين أن تكون في أعلى » سبلة » الحيوان أو طرفها ..!
نتابع كيف يفكرون ويعملون ويعيشون وكيف يفكر البلد العربي ويعمل ويعيش .. الفارق جد واسع ليس في مستوى التنمية الشاملة وحسب بل حتى في الفارق الحضاري والإنساني هناك بين دهاليز العقل وتلافيف الفكر حيث يعمل الوعي والعلم والثقافة أدوارها الكبيرة بعيدا عن مفهوم الحضارات ( حضارة بابل التي ما عادت تعني لنا إلا رسوم الحدائق المعلقة , ولا عادت تعني الحضارة الفرعونية التي اختزلت في أهرامات وأصنام وميمياوات الفراعنة , ولا عادت تعني ما بقي من حضارة البلدة الطيبة التي شيدها اليمني وانتهت إلى بقايا سد وبقايا أعمدة وبقايا معبد ..
أنا لا أقلل من مقدرات العربي الطبيعية أو العقلية كما إنني أبعد ما أكون عن جلد الذات العربية إلا من باب أن الإقرار بالحقيقة المرة هو بداية معرفة الطريق .. أنا لا أسخر من حالنا العربي إلا من باب أن العيب في أن نظل نتحدث عن أفضليتنا وقدسيتنا وسمو معانينا على الغير لأننا عرفنا الإسلام والقرآن قبل غيرنا ونحن في ذات الوقت على مسافة بعيدة من هذه المزايا التي اختصصنا بها فضلا ومنة من ربنا له كامل الشكر وعظيم الثناء .. وأنا لا اعتقد أننا كعرب حققنا ما يجب أو بلغنا ماديا أو روحيا ما يفترض أن نكون عليه .. نعم ابتكرنا الجبر ولم نكمل الإبداع في علوم الرياضيات والفيزياء بعد ذلك , واخترعنا اللوغاريتمات لكننا وقفنا وتركنا لهم الوصول لروائع الحواسيب بعد ذلك , ونعم أسسنا للكيمياء وقدمنا حقيقة القلويات لكن الكيمياء تطورت كثيرا بعد ذلك .. وطبعا لم يقصر علماؤنا الإجلاء العرب والمسلمون لكن أحفادهم كانوا أضعف وأعجز عن حمل الراية وإكمال المسيرة ..
وبعيدا عن إنكار نظرية المؤامرة أو تثبيتها علينا أن نقترب من حالنا أكثر وأن نفهم أنفسنا أكثر وأن نواجه الذات بحقائق التاريخ وتحديات الحاضر ومعادلات تأمين المستقبل ,على الأقل ليس من أجلنا فقط ولكن من أجل أجيالنا التي لن ترحمنا وهي تحاكمنا بأثر رجعي على الفشل التنموي الفادح والإخفاق المستمر في بناء الإنسان واسترجاع فصول الحضارات التليدة في منطقة الهلال الخصيب والجزيرة العربية وشمالي إفريقيا .. علينا أن نتعامل بعدل مع حقيقة أن حرب المصالح ومعادلاتها تملي بعض المؤامرات ولكن احذروا من تحويل المؤامرة إلى شماعة مستمرة لتبرير الارتكاس والفشل أو السقوط .. ومثلما أن من حق القوي وهي حقيقة تاريخية ثابتة أن يملي شروطه وأن يفرض قوانينه ما أمكنه ذلك ..
في إسرائيل مثلا قوانين متراكمة ومدروسة جعلت الحصيلة الواضحة أن المجتمع الإسرائيلي الكبير والصغير فيه يعرف استخدام قطعة سلاح أو أكثر , وجعلته من أكثر المجتمعات المنتجة للحروب الالكترونية والحضور الالكتروني , وجعلته يتفوق في حالات على والده البريطاني ومعلمه الأمريكي .. وفي مجال الاقتصاد والعلوم الأخرى يتنافس المتنافسون من دول الغرب والشرق على السبق والأفضلية في المال والسلاح والسياسة والرياضة والمعرفة والبيئة والفضاء ويهتمون بالتفاصيل ذات العلاقة بالتعليم والوعي والثقافة والفكر والتخصص من أجل الوصول أولا .. بينما يظهر المشهد العربي مختلفا ولو استعرضنا النماذج لكانت النهاية تراجيديا مبكية ومأتما مستمرا ..

أخيرا
نحن اليوم أبعد ما نكون عن تلك الحقبة التي اهتدى بها العالم بمنارات بغداد ودمشق والقاهرة وقرطبة, ومثلما أضعنا فرصة استمرار الزعامة الأممية بالاستفادة من قرون الحضارة العربية والإسلامية البيضاء بين التاسع والثاني عشر الميلاديين ها نحن نضيع ما بقي من روح وما تحت أيدينا من مقدرات ثروة وطاقة في » سفه » لا يبشر بخير للأجيال القادمة .. ولن اختم بمقارنة ما يفعلونه في اليمن أو مصر أو سوريا وبين ما يفعله غيرنا في ماليزيا أو جنوب إفريقيا أو استونيا لأنني سأبكي .. من كل قلبي ..!

khalidjet@gmail.com

قد يعجبك ايضا