الشعر والثورات والبرقوق
بشير المصقري
بشير المصقري –
احدث محمد محمود الزبيري ومحمود سامي البارودي وأبو القاسم الشابي ومحمود درويش عواصف ورعود شعرية كبيرة واتخذت من الشعر أداة ثورية ووسيلة تحررية شكلت هالة تصل إلى المدى الأسطوري بقصائدهم التي تساوت مع البندقية وحروفهم المشابهة للأعيرة النارية والتي أقضت مضجع الطغاة وأرهقت تسلطهم وأطاحت بهيبتهم الضبابية من أذهان الناس وظلت أشعار هؤلاء مرابطة في متاريس الكلمة حتى تدانى لها المجد بعد تحمل وصبر وجلد وأصناف العذاب والسجن والأغلال والقيود والنفي برباطة جأش وبسالة لم تكن لتخير قواها وتلين عزيمتها وذلك لسمو الفكرة ونبل المقصد ونقاء الغاية التي ليس من ورائها سوى الوطن وفوقها وجه الله واتساقا مع تلك القناعات المتصلبة والراسخة رسوخ الجبال فالزبيري الشاعر الشاعر والمناضل الكبير والبارودي والشابي وغيرهم كانت لديهم قضية يدركون أنها ستبعثر الضوء ذات يوم ولذلك مهدت أفكارهم وكلماتهم التي كانت تتقافز في ظلام يهبط من الحكام الطغاة ويأبى الإنقشاع وكانت الكلمات والقوافي زفرات حرى تتدافع وتحدث وميض في الأفق المظلم ويلفت ذلك حواس الناس والتائهون في الأنعتاق لرغبة شخص كان يعتقد أن الحرية هي أن تملك الآخرين ففعلت هذه الإيماضات فعلتها في و جدان الشعوب وهيئتها تماما للتحرر ويمكننا ذلك من اعتبار الشعر عود الثقاب الذي أشعل الثورات في وجه المستبدين وأحرق الأرض من تحت أقدامهم
اليوم اختلف الحال مع الشعر والاجناس الأخرى ففي الماضي كان الشعر يحمل القضايا المصيرية للأمم والشعوب بنوايا بيضاء ويستمد القوة من الحق فأطلق صرخات عاتية مثلت أطواق نجاة للمحكومين ولم يستخدم الشعر والأدب برمته لتمرير رغبات ونوازع الساسة الذين يستخلصون منه ومن كاتبيه مطامحهم الذاتية ويجعلون الشعراء مطايا لأهدافهم وإن كان هناك شعراء يعبرون به عن مرامات المقهورين في الأوطان إلا أن البيئة المشوهة التي اختلط معها حرفته عن مساره وصار سوط الساسة الذي يضربون به كهنوتية ليست بالمعنى القيمي للتثوير فتحنط , ولذلك كان لبداهة الشعر الزبيري والبارودي ودرويش اقتياد الثورات واما بالنسبة للشعر بالمقارنة مع ثورات الربيع العربي فقد حدثت لي شخصيا مواقف وحكايات ذات صلة بالشعر المتصل بقضايا الوطن والثورات فبعد أن جنح أطراف العمل السياسي في بلادنا للتسوية والوفاق جمعتني لقاءات كثيرة ومختلفة كاختلاف الأماكن التي التقيت فيها شعراء الربيع العربي يمنيا سواء في السوق أو في الشارع أو على هامش فعالية وللأسف الشديد قابلت هؤلاء الثوار الشعراء وهم يتحدثون عن نبوئتهم لما حدث في اليمن في العام 2011م فحدا بي وضع مقارنة بين شعراء حقبة الزبيري ورفاقه وشعراء ربيع اليمن حيث بدا الشعر لدى الآخرين فارغا متسولا لقضية مجهولة قبل أحداث العام 2011م
وكان أن حدثني شاعر عن قصيدة له كتبها في العام 2009م وأسهب في شرحها وتحليلها وتفسيرها وكيف انها أماطت اللثام عن الثورة في وقت مبكر , وروائي آخر التقيته على باب مكتب وزير الثقافة يتسول طباعة إصداره الجديد ولا شماته لأن حال الأدباء في اليمن من بعضه فحدثني عن رؤية روايته التي اصدرها في العام 2008م وكيف انها وضعت بذورا للثورة ولمع مابين سطورها شعاع التثوير ومثقف آخر وناقد ثاني ووووو الكل كتب قوالب نصية مختلفة وكتل إبداعية تنبئت بالثورة والمصيبة فعلا أن هؤلاء مارسوا الكتابة وفعلها بدون هدف ولا سبب وبمضامين فارغة والدليل أن كتابات من هذا النوع أنتظرت إلى أن تحرك الواقع من حولها فركبت الموجة كما ركب الساسة موجة ثورة شباب حالم بالعيش والكرامة بينما صنعت أشعار الزبيري وبشارة الخوري والشابي والموشكي واقع استجابت له الشعوب وتهيئوا من خلالها للإغارة على الانظمة البائدة وهنا الفرق بين أدبيات تنتج إستجابة لحاجة الأديب إلى فك عقد الذات داخله لا أقل ولا أكثر ويتركها في كسادها حتى يجد لها وظيفة يوهبها القدر بضربة حظ وأخيرا أدعو كل من ورد قي قصيدة كتبها قبل العام 2011م تتضمن مفردة من هذا النوع مثلا ( وطن – إستبداد – ثورة – دماء – أشلاء بلطجي – ….. إلخ ) أن يدخل الزفة ويفاخر بأنه تنبأ بالثورة ولنبيع برقوق جميعا تداعياص لقصة حدثت في يريم قديما وتفيد بأن الطبيب نصح أحدهم بترك العمل في تحضير العقاقير لأنها سبب الداء الذي ألم به فترك مهنة تحضير العقاقير وانتقل إلى بيع البرقوق فترك جيرانه وأهل مدينته مهنهم وباعو برقوق ونشأ المثل الشهير القائل «برقوق يا أهل السوق».