يافع.. حيث عناقيد البن تداعب النوافذ المزخرفة

صالح البيضاني

 - بين شواطئ بحر العرب و جبال اليمن الشرقية تناثر قرى ومدن يافع كبقع من الضوء على خريطة اليمن الطبيعية ..إنها قصة من التاريخ تأبى إلا أن تظل حاضرة بخصوصيته
صالح البيضاني –
بين شواطئ بحر العرب و جبال اليمن الشرقية تناثر قرى ومدن يافع كبقع من الضوء على خريطة اليمن الطبيعية ..إنها قصة من التاريخ تأبى إلا أن تظل حاضرة بخصوصيته الفريدة التي حافظت لنفسها على حيز في أزل الزمان وعمق وأصالة المكان ..إنها يافع حيث تعانق المنازل المطرزة بالجمال ندف السحاب وتلامس أوراق شجرة البن النوافذ الخشبية المنحوتة بعناية.
عرفت منطقة يافع قديما بعدد من الأسماء فهي «دهسم»قبل الإسلام و» سرو حمير» بعد الإسلام نظرا لكونها المكان الشاهق الذي حلت به عدد من القبائل الحميرية على قمم يبلغ ارتفاع جبالها أكثر من 6000 قدم فوق مستوى سطح البحر وتتخللها عدد من الوديان الشهيرة مثل وادي حطيب ووادي يهر ووادي حطاط والتي ينتهي بها المطاف غالبا لتصب في مياه بحر العرب التي تمتد المنطقة إلى سواحله الدافئة.
تحتل يافع مكانة بارزة في التاريخ اليمني حيث تشير الكثير من الدراسات إلى أنها كانت شاهدة على العديد من الحضارات اليمنية الغائرة في القدم حيث يرى بعض المهتمين بتاريخ اليمن القديم أن يافع كانت المسكن القديم والآمن للحميريين قبل نشوء دولتهم قبل بزوغ القرن الأول قبل الميلاد كما تدل على ذلك بعض النقوش القديمة والتي تحدثت عن حروب الدولة السبئية مع «مملكة دهس في يافع» خلال القرن السادس قبل الميلاد وقد تصاعد الدور التاريخي لقبائل يافع في فترات من التاريخ الإسلامي حيث كانت القبائل اليافعية تعد عنصرا مهما في تشكيل الجيوش الإسلامية التي قادت الفتوحات الإسلامية ومن أشهر القادة الذين ينتمون لمنطقة يافع ممكن شاركوا في الفتوحات الإسلامية سراج بن شهاب اليافعي الرعيني وحسان بن زياد وقد وصف المؤرخ أو الحسن الهمداني يافع في كتابه الموسوعي الإكليل بالقول:»
قبيلة من أشد قبائل جنوب الجزيرة العربية من ذي رعين من حميرهم بنو يافع بن قاول بن زيد بن ناعته بن شرحبيل بن الحارث بن يريم ذي رعين. كما ذكرها ياقوت الحموي في كتابه (صفة جزيرة العرب) بالقول «وقبائل يافع من أعظم قبائل شبه جزيرة العرب الجنوبية وأصعبها مراسا وأكثرها عددا وتاريخهم مملوء بالحوادث الجسام «.
وقد ورد ذكر كذلك يافع في أشهر نقش يمني والمعروف بنقش النصر والذي ينسب لكرب أيل وتر بن ذمار علي مكرب سبأ ويعود للقرن السابع قبل الميلاد حيث كان يطلق عليها أسم (د هـ س م ) وهو الاسم الذي عرفت به يافع قبل الإسلام حيث تناوب على حكمها عدد من الدول اليمنية بدء من الدولة الأوسانية ثم الدولة القتبانية..وقد كان ليافع دور بارز في صنع الأحداث المهمة عبر التاريخ اليمني القديم سياسيا وعسكريا كما يقول المؤرخ العراقي الكبير جواد علي في كتابه (المفصل)..وتنسب يافع كما ذكر الهمداني في (الإكليل) إلى يافع بن قاول بن زيد بن ناعتة بن شرحبيل بن الحارث بن زيد بن يرöيم بن ذي رعيúن الأكبر وعند السمعاني (في الأنساب) إلى يافع بن زيد بن مالك بن زيد بن رعيúن ورعين ينسب إلى حöمúير وحöمúير إلى سبأ وسبأ إلى يعرب بن قحطان. و يعتقد أن يافع بحسب المؤرخ اليمني حمزة علي لقمان في كتابه (تاريخ القبائل اليمنية) « إحدى أيدي سبأ التي تفرقت بعد انهيار السد».

شواهد:
تشتهر يافع بتراثها الغني وحرص أهلها على المحافظة على هذا التراث عبر الزمن كما تشتهر كذلك بزراعة البن الذي يعد من أجود أنواع البن في اليمن ويعرف عن يافع أيضا اهتمام أهلها بالشعر الشعبي والمساجلات الشعرية ومن أشهر شعرائها على الإطلاق الشاعر يحيي عمر اليافعي الذي عاش قبل حوالي ثلاثة قرون ولاتزال قصائده حاضرة.. حيث ذاعت في الجزيرة العربية ولحنها وغناها عدد من أشهر الفنانين في اليمن والخليج..وقد انعكست مكانة الشعر على كل مناحي الحياة وتفاصيلها اليومية في يافع فرحا وترحا كما يقول الدكتور علي صالح الخلاقي في كتابه ( يحيى عمر اليافعي .. شل العجب ..شل الدان)الذي يتحدث عن دور الشعر والفلكلور في يافع قائلا:»يعبرون من خلالها عن أفراحهم وأتراحهم سواء في الأعياد الدينية أو حفلات الزفاف أو تلك المصاحبة لهم أثناء تأدية أعمالهم المختلفة وفي الطقوس الحياتية اليومية المتعددة. فالغناء يرافق أعمال البناء والعمل الزراعي ولا يزال لكل موسم زراعي أغانيه المميزة التي يؤديها الرجال والنساء بصورة مشترك في كل موسم زراعي كما أن للرعاة أغانيهم ومواويلهم الخاصة».
ويصف الأديب اليمني الكبير الراحل محمد سعيد جرادة ما شاهده في إحدى الزيارات التقليدية السنوية في العام قبل أكثر من ثلاثة عقود بالقول: «وفي يافع شهدنا أكثر من حفل تمثل فيه روح الإنسان اليمني الحضاري الذي

قد يعجبك ايضا