ولادة الفجر
عبدالرحمن بجاش
عبدالرحمن بجاش –
أجمل لحظات اليوم تلك التي تشقشق فيها العصافير عند البزوغ الأول للفجر حين يبدأ كل شيء بالتكون من رحم الليل ومنú لا يصح عند الخامسة صباحا لا يدرك سر الكون الهدوء الذي يلف الزمان والمكان وكائنات صغيرة تبدأ رحلة البحث عن الرزق في فجر تعز الأجمل من بين كل المدن وفي فجر شتوي غابت فيه خيوط الشمس الذهبية وكنت خارجا من المنزل الذي أنام فيه لا تزال تلك اللوحة الأجمل التي ارتسمت في مخيلتي إلى اللحظة مثلثا ضخما من طيور رأسه طائر كبير يقود تلك الطيور المهاجرة من دنيا إلى دنيا في تشكيل بديع لا يبدعه سوى رب السماوات والأرض وطوال مشاهدتي لم يتغير الشكل مطلقا حيث كل طائر وبحركة محسوبة لم يخرج عن المرسوم له من قبل القائد قيد أنملة.
سبحان الله وفجر يأتي هنا إذا أردت أن تشاهد صنعاء الحقيقة فرافقه واذهب لترى المدينة التي ذهبت منك وفي لحظة معينة من الفجر وفي بداية الصيف – فقط – أسمع عصفورا بصوته المميز يظل يدندن كأنه يدعو الناس إلى أن يتركوا فرشهم ويستمتعوا بما أبدعه الخالق ذلك الطير حرصت على أن أشاهده ذات فجر رأس يجلله السواد وباقي جسده داكن يختفي بمجرد أن تشع أشعة الشمس في الكون لا أدري أين يذهب.
وأجمل فجر في قريتي حين كانت جدتي وعمتي وأهلي يبدأونه مع شعشعة الضوء تكون اللحظة زرعا يهفهف بفعل الريح تصفر الأصوات من بين الشقوق تدرك أن الكون ينهض من على الفراش تخرج فتكحل عينيك بأجمل الألوان نسوة يذهبن إلى الحقول وصوت مؤذن يتهادى رخيما إلى أذنيك وديك ينفض النوم عن روحه فيدعو البشر للخروج إلى المسجد وملكوت الله ونهيق حمار آت من البعيد صوته في تلك اللحظة ولا مقطوعة لبيتهوفن وثغاء أغنام وخرفان تطلب فك أسرها من الصبول.
يا الله ما أجمل تلك اللحظة وأنت ترى الأشياء أمامك تتكون وعيناك تصبحان أنقى وروحك بلا أدران ولا غبار يحتل ملامح الوجه والفؤاد وإذا أردت فسافر بين صنعاء وتعز فجرا عند أن تعتلي صهوة سمارة سترى ما لا عين تصدق ولا قلب يستطيع احتواء كل ما يرى إنه إبداع الله المبدع خضرة تملأ السماء والأرض ورذاذ مطر الصبح يداعب الخدود الذاهبة إلى السهول تجمع الحشيش أو أعواد الحطب.
يا الله ما أجمل إب حين تشرف على دخاخين بيوتها يختلط لون الدخان بالخضرة بالأصوات سيمفونية الفجر الذي يتسلل من بين أصابعكم كل يوم وأنتم نيام.