الحوار كواجب وطني وضرورة لا بد منها
حسن اللوزي
حسن اللوزي
حسن اللوزي
(2- 2)
لا يختلف اثنان في أي مكان من الأرض بأن الحوار نعمة غالية من نعم الله على الإنسان ولا يمكن أن تتنكر جماعة من الجماعات بأن الحوار وسيلة إنسانية راقية لتجاوز الاختلافات وتحقيق الغايات المشتركة وإنجاز مشاريع التعاون والتكامل في ما بينها ولا يمكن لأي إنسان حر يؤمن بالديمقراطية إلا وهو يعتقد جازما وملتزما بأن الحوار هو الوسيلة الحضارية الأولى في العملية الديمقراطية.. نقول ذلك في وجه كل من يرفع عقيرته برفض الحوار في أي مجتمع كان وبخاصة في الظروف العصيبة التي تفرضه كواجب ديني ومسؤولية وطنية وسمة أخلاقية لدى الإنسان أيا كانت عقيدته الدينية أو هويته السياسية أو إنتماؤه الحزبي.
ولا شك أن الإنسان بفطرته السوية – وهو مجبول على طلب المعرفة – يحتاج للتواصل والاتصال وصنع وإبتكار الحوار ليكون في المسار الصحيح لحياته ولعلاقاته الإنسانية فالقطيعة وعدم اللقاء وعدم التواصل وعدم الحوار هي التي تصنع الوحشة وتدفع إلى التوحش وقد قال أحدهم في مثل هذه الحالة:
«يستوحشون لأنهم لا يلتقون
يتقاتلون لأنهم لا يتحاورون».
ويكفي أن الحوار يضيء النفوس ويمكنها من أهم ما تحتاج إليه من المعرفة بالآخر وتصنع القوة في الإرادة الواعية لاتخاذ المواقف والقرارات السليمة وهي تعين على تجاوز المسافات نحو التفاهم والاتفاق فضلا عن خلق المحبة وتعزيز الإخوة وبناء جسور الألفة والثنائية والجماعية والوطنية.
قد يصعب الاستمرار في الخوض في مثل هذا الكلام يوميا أو أسبوعيا أو ترديده لولا تلكم المواقف الجائرة للبعض المتشنج من إرادة الحوار والتطلع إلى استئناف مسيرته بين كافة الأطراف السياسية المتنازعة في بلادنا والذي صارت تدعو إليه بالحوار وبإصرار كافة الشخصيات بل والجهات الداخلية والخارجية المهتمة بالشأن اليمني.
وهنا لا بد من أن ننبه بأنه يجب الفهم الصحيح لحقيقة الدعوات المتكررة للحوار وإعلان التطلع المتكرر لاستئنافه واستمراره لأنها كما تعبر عن التفاؤل والثقة فإنها لا تعني الضعف أو الانهزام كما أنها في الجانب الآخر الذي لا يستجيب لها تهربا بكل الوسائل المعروفة قد تكشف عن الأوهام وأحلام اليقظة السياسية للعقول المنهكة باللعب خارج مضمار الحرية المسؤولة ممن يعتقدون بأنهم يمكن أن يصلوا للمآرب الخاصة عبر وسائل أخرى غير وسيلة الحوار وغير الاحتكام للقيم الدستورية والشرعية الدستورية.
ونقول لهؤلاء ومن لف لفهم وهم قلة وإن تعالى صراخهم وبدا نشوزهم بأن الشراكة الوطنية إنما تقوم على أساس احترام الجميع داخل الوطن للدستور والقوانين النافذة وقواعد الممارسة الديمقراطية التي تفرض احترام إرادة الشعب المعبر عنها في صناديق الاقتراع وأن أساليب المماطلة وإضاعة الوقت الثمين في الظروف الحرجة البالغة القسوة لا يمكن أن تؤدي إلا لمفاقمة الخسران وإن تقديم التنازلات المتكررة من قبل القيادة السياسية العليا وإبداء المرونة والتسامح هي ثمن أخلاقي ووطني كبير الوطن بأمس الحاجة إليه وهو ينم عن الجدية والحرص على تحقيق التوافق الوطني والوصول إلى معالجات ناجحة وحاسمة لكل القضايا والمشكلات.
فلا يجوز الاستمرار في أسر الأوهام والمفاهيم الخاطئة عن طريق إضاعة الوقت والرهان على فكرة الاستقواء بالخارج ضد إرادة الشعب وقوة الشرعية الدستورية وقوانين وأنظمة البلاد وأنه لا بد من العودة إلى جادة الطريق المستقيم والإذعان والتسليم بأن الانتخابات العامة وصناديق الاقتراع هي الوسيلة الوحيدة التي اختارها الشعب وأنتجتها الديمقراطية التعددية سبيلا حضاريا للتداول السلمي للسلطة وأن الطريق المختصرة لإنجاز ذلك هو في الولوج إليها من باب الحوار الوطني الجاد والصادق والمفتوح والذي لا يستثني أحدا ويتسع لجميع الأحزاب السياسية والقوى الوطنية الشبابية وغيرها.. ومن واقع هذه الرؤية المتفائلة نستطيع أن نرى صورة جديدة مشرقة تتشكل في الحاضر اليمني الجديد بكل الآمال الوطنية والطموحات التغييرية الإيجابية المجمع عليها والمستلهمة للروح الشبابية الواعية التي سبقت الاستجابة لها ومطالبها من قبل فخامة رئيس الجمهورية – شفاه الله وحفظه ورعاه – نعم يمكن ذلك حتما إذا تحررت العقول والنفوس من فداحة الشكوك وفقدان الثقة وسوء الظن وكلها أمراض تثقل كاهل السياسيين بل وتعمي صوابهم وخاصة إذا كانت هناك أغراض أخرى ملازمة لها – سنؤجل الحديث عنها – وأخطر ما يحول دون استئناف الحوار هو عدم الاعتراف بالحقائق السياسية الجوهرية الماثلة دستوريا وواقعيا في الشواهد المعيشية ولعدم الثقة في الديمقراطية من الأساس والنزعة نحو عدم الاعتراف بالآخر وعدم احترام السلطة التي صنعها الشعب وعدم تفهم معنى التنافس الحر للوصول إلى السلطة بقوة الشرعية الدستورية في ظل التعددية الحقيقية التي يتدافع ويتنافس فيها الأنداد الأقوياء الذين يملكون إراد