النقل البري والطريق المخادعة
زكريا حسان
زكريا حسان –
قبل أن نتجاوز ضواحي صنعاء أثناء إحدى زياراتي لمحافظة تعز بدأ الباص يقفز أو يتنبع كما يقولون وكل نبعة لا تتجاوز البنانة وبدأ السائق يحاول إقناع الركاب بأن هذه الطريق ليست مستوية كما يرونها وإنما هي عقبة كبيرة وعيونهم فقط تخدعهم وأحيانا يعود ليسب ويشتم الإدارة والمهندسين في جواري كانت تجلس امرأة حامل وزوجها طلعت كل ما في بطنها حتى توقعت أن تطلع جنينها مع الغثيان وهي تصرخ وتطلب النزول من الباص ومواصلة الرحلة سيرا على أقدامها وللعلم كان هذا قبل مسيرة الحياة.
المهم لم نصل تعز إلا منتصف الليل والركاب قد كرهوا أنفسهم والسفر ومؤسسة النقل البري في تعز الوضع مختلف أكثر فعندما تذهب لقطع تذكرة السفر فيجب أن تكون لديك خلفية في لغة الإشارة لأنك في أغلب الأحيان لن تجد سوى رجل من الصم والبكم عند بوابة المؤسسة المغلقة يحاول جاهدا أن يخبرك أن الرحلة ألغيت ولا توجد باصات جاهزة للسفر وأن عليك قطع تذكرتك من شركات النقل المجاورة وحتى إن توفقت ووجدت موظف قطع التذاكر فستحتاج أيضا إلى معرفة بلغة الإشارة لأنك عندما تأتي في موعد الرحلة فلن تجد سوى ذلك الرجل المواظب الوحيد ينتظر المسافرين ليخبرهم أن الرحلة انتقلت إلى مؤسسة نقل خاصة بسبب عدم وجود باص أو غير ذلك من الأعذار التي تؤدي إلى نفس النتيجة وهنا ستعرف لماذا فتحت كل الشركات مكاتبها جوار مكتب المؤسسة العامه للنقل البري.
عندما نتكلم عن مؤسسة النقل البري فإننا نتكلم عن أعرق وأول أسطول نقل بري في اليمن وإمكانيات ضخمة المؤسسة من إدارات وطاقم فني وأحواش وإيرادات وأشياء كثيرة لكن كيف وصلت مع هذا إلى مرحلة السقوط والاحتضار ومن المسؤول عن ضياع ما كان يفترض أن تكون امبراطورية في الوقت الحالي.
اعتقد أننا إذا أردنا أن نعرف سبب انهيار المؤسسة وتردي خدماتها فعلينا أن نذهب لنرى بيوت وأملاك وعقارات من ترأسوا إداراتها وأمسكوا بضروع الإيرادات.
حاليا لن تجد بباصات النقل البري سوى أطلال فيديو ومقاعد لم يأكل عليها الزمان ويشرب فقط وإنما مارس كل أنواع الرياضة عليها المكيفات أيضا قيدت في سجل المفقودات والمخلوقات المنقرضة وقد تكون أحيانا موجودة لكنك تتمنى لو كانت معطلة بسبب صوتها المزعج أما في حال قدر الله لك السفر في مواسم المطر فلا تستغرب إن وجدت أنه ليس بينك وبين المطر حجاب واكتشفت حاجتك للصحون ولست مجنونا إن فكرت بأن على المؤسسة أن تنشئ إدارة لنقل التراب ودعاس سقوف الباصات.
مؤسسة النقل البري قصة مأساوية وضياع لا يدرك أحد حجمه إلا عندما يدخل باب مكاتب قطع التذاكر وأرجو أن يكون الوقت قد حان للالتفات لها وإخراجها من حالة الموت السريري.
zhassenl@hotmail.com