ثقافة الخوف مرة ثانية 

الدكتور عبدالعزيز المقالح


الدكتور/ عبدالعزيز المقالح

ü .. اتصل بي عدد من الزملاء يستزيدون من الحديث عن ثقافة الخوف للتعرف على مكوناتها وتعريف مسبباتها لا بقصد التوصيف وإنما للدفع بالناس وبالمجتمع إلى الخلاص منها والخروج من أقبيتها المتعفنة ومن المؤثرات التي أثقلت وجدان الكبار والصغار وجعلت من الخوف بأشكاله المختلفة عنوانا يتسع ويتضخم في مجتمعاتنا العربية وفقا لابتعاد هذه المجتمعات عن مناطق الحرية والشعور بالأمان النسبي.

ولا يستطيع أي مواطن عربي من أقصى المحيط إلى أقصى الخليج أن يدعي أنه لا يعاني من المخاوف ولا يساوره الرعب من المجهول والخوف من الأوضاع المتردية التي اختفت معها القدرة على السؤال والنقد الصريح نتيجة لاختفاء الحرية التي بدونها تتحول الشعوب إلى حظائر يحتشد فيها البشر الخانعون ويتحولون إلى أدوات خاضعة للقهر والإذلال.

وتحت إلحاح الزملاء أعود إلى كتاب ثقافة الخوف مرة ثانية لأقرأ فيه باختصار شديد ملامح من مكونات الخوف السائد وفي الطليعة منه الخوف من المجهول فالناس في هذا الوطن الكبير يسيرون وهم لا يدرون إلى أين ملامح الحاضر بالنسبة لهم مخيفة قاتمة وصورة المستقبل غائمة تتخللها أشباح عفاريت البطش بالأحلام والأماني التي طال انتظارها.

ومما يؤسف له كثيرا أن كل المحاولات التي تمت للخروج من دائرة هذه المخاوف قد تم إجهاضها باقتدار فضلا عن إعادة الأمور إلى ما كانت عليه من أوضاع إن لم يكن إلى الأسوأ. وهو الأمر الذي خلق في أذهان الناس حالة من الإحباط وعدم الثقة بأي محاولة جديدة للإبحار السليم صوب المستقبل.

هل أقول إن الإنسان العربي أدمن الخوف إلى درجة لم يعد معها قادرا على الاستغناء عنه وصار بالنسبة له شرا لابد منه كما تشير إلى ذلك بعض الدراسات المهمة في كتاب (ثقافة الخوف) لاسيما الخوف من المجهول الذي لا يملك الإنسان العربي عنه أدنى تصور أو معرفة كما أن الحرب النفسية شكل من أشكال التخويف.

فالخوف نتيجة للتخويف وهو بهذا نتيجة لا سبب والحرية شرط أساس للإبداع الإنساني فهي نقيض الخوف وفي ثقافة الإسلام قال عمر بن الخطاب: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» وقال علي بن أبي طالب: «لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا». فالحرية شرط للإبداع والخوف مذبحة الإبداع.

وإذا لم تكن الحرية شعار الدولة – أية دولة – فإنها – أي الدولة – تتحول من قوة تمنح الطمأنينة والأمان لمواطنيها إلى قوة تحيل الخوف إلى منتوج ثقافي يتحول إلى عادة بالمعنى السيئ عادة تكرس حالة الإذعان والخنوع وتجعل من العمل تحت الضغط والإكراه عادة روتينية ثقيلة لا وسيلة من وسائل إثبات الوجود وتربية النفس والمجتمع. وما يضاعف من انتشار ثقافة الخوف – حسب إحدى الدراسات – غياب فكرة العقد الاجتماعي وإحلال التوافقات العشائرية والمناطقية والطائفية بدلا منها.

وذلك ما تعاني منه بمرارة الشعوب المتخلفة والخارجة حديثا من قبضة الاحتلال والأنظمة الشمولية والتي تبدو أحوج ما تكون إلى إعادة تأهيل لتتمكن من مقاومة ما في نفسها من رواسب الخوف من الحرية وما تعطيه للإنسان من قدرات تجعله قادرا على أن يختار ويرفض وأن يقول «نعم» في مكانها و«لا» في مكانها أيضا.
الأستاذ حاتم علي في «قضايا تربوية»:

في إحدى المقالات المهمة التي تضمنها الكتاب وهي عن المعلم ودوره في بناء الإنسان والمجتمعات يقول الأستاذ حاتم: «لأن التعليم هو محور ارتكاز الشعوب وأهم عناصر بنائها أضحى لابد لنا نحن اليمنيين من الاهتمام الجلي والواضح بما يفرزه الواقع من جديد في كل المجالات التي تخدم العمل التربوي والتعليمي وحتى نكون قريبين من حركة التقدم الجارية في العالم من حولنا لابد للمعلم من مضاعفة جهده كي تصل الرسالة المرجوة منه إلى أبنائه من الطلاب والطالبات» في هذه الصرخة وأمثالها مما تضمنه الكتاب الجديد للأستاذ حاتم علي ما يلفت الانتباه ويدعو المسؤولين عن التعليم إلى الوقوف طويلا تجاه ما يطرحه أستاذ تربوي متخصص ومعايش لأوضاع التعليم في بلادنا منذ سنوات.
تأملات شعرية:

صاحبي خائف

وأنا خائف

وأخي…

وكذلك جاري

وكل الذين هنا في مدينتنا

خائفون !

النساء الشيوخ

الصبايا الطفولة

ما برحوا يرفعون أكف الضراعة

نحو السماء وهم خائفون !.

قد يعجبك ايضا