رؤوفة حسن .. ذات الأحلام الكبيرة(2-3)
حسن اللوزي
حسن اللوزي
حسن اللوزي*
إن دراسة الآثار التي تركتها الراحلة الجليلة الدكتورة رؤوفة حسن في كل المواقع التي عملت فيها الإبداعية والاجتماعية والأكاديمية سوف تكشف عن شخصية نسائية عصامية بهية تمثلت فيها عبقرية المرأة المجاهدة دون مبالغة..ولذلك حديث طويل!!..فهي رائدة بكل معنى هذه الكلمة لأنها امتلكت وحققت إنجازات الريادة والسبق في المخاطرة والمغامرة ودون كلل وهوادة!!.. وبنت بكل تواضع المؤمنين المقتدرين الصابرين مشروعا حياتيا هاما..لم يكن خاصا بها ولم تبحث من ورائه عن منفعة ذاتية وإنما هو التفاني والإخلاص لاجتراح الأحلام الكبيرة!!وحققت انتصارات هامة في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد بالنسبة للمرأة في بلادنا.
فكما في الإذاعة فإن الراحلة-المغفور لها بإذن الله- أرادت أن تنجز المختلف في العمل التلفزيوني..وأن تقدم الأنموذج الأفضل وأن تنزل الى الشعب وتنغمس في حياة المواطنين..فلم تتوقف عند قراءة الأخبار وتلاوة التعليقات أو إعداد وتقديم البرامج النوعية مثل برنامج (المرأة والمجتمع)و(ضيف الشاشة الصغيرة)و(وجها لوجه)وإنما كرست جهدها الأكبر في اتجاه إعداد وتنفيذ البرامج الاتصالية والسفر الى المحافظات وخاصة التي لم تتم زيارتها من قبل الإعلاميين في العهد التشطيري الأليم حيث زارت العديد من المحافظات كالبيضاء والجوف وصعدة وتجشمت العناء للوصول الى مناطق رازح والتي كانت تبدو وكأنها في قارة أخرى.
فأسهمت في تطوير برنامج(صور من بلادي)مع الراحل العزيز محسن الجبري بهدف تناول البرنامج الثاني من المجتمع الذي لم يتسن للأخ محسن الجبري (يرحمه الله)تناوله أو التطرق إليه..فقدما عددا من الحلقات المتميزة ما كانت لتتحقق لولا جهود الدكتورة رؤوفة حسن التي حرصت دائما أن تجعل برامجها من عمق البيئة وتقدم صورة واقعية كالنقل الوثائقي الحرفي مؤكدة على ترابط إيمانها بالكلمة وعظمة تأثير الوسائل الإعلامية بمعايشة الأحداث والتحولات وإجراء الحوار الموسع..مبرزة قدرتها على إدارة أطراف الحوار لتبني بذلك النسيج الذي يشد الجميع إلى بوتقة واحدة تكون فيها مركز الدائرة وحتى في أسلوبها المثمر في الكتابة الصحافية التي اعتمدت على حضور القارئ معها في حوار متخيل تجريه معه بكل البراءة والبراعة والانفتاح الذي يحتضن الجميع ويقيم الجسور..بل ويعزز الثقة المتبادلة..فأحد وأهم خاصية تميزت بها شخصيتها هي الحوار..لأنه بحد ذاته قادر على فتح المواضيع..وتثقيف الكلمات وتجويد الكلام بما يعزز الصلة بين المتحاورين ويدفع إلى تنمية الوجهة المبدئية الفطرية لديهما نحو تكوين رؤى مشتركة بداية من إلغاء الحواجز والفواصل وكسر الجدران.
لذلك فإن من سماتها التي تميزت بها أنها كانت الكاتبة الصحفية الوحيدة في اليمن التي تحس بأنها صاحبة الحق في امتلاك كل قراء الصحيفة التي تكتب فيها بدون استثناء وتستحق احتكارها لهم وكأن من يمسك بالجريدة لا يمكن إلا أن يمر بعمودها في قراءة صانعة للصداقة المستمرة وللتواصل الذي لا ينقطع!!
وفي كتابتها لعمودها يجد القارئ الحكاية التلقائية المحكمة التي تزرعها وتجملها بالرسائل والأفكار الواضحة ولم تكن واعظة أبدا وإنما تقدم معطيات التجربة على أن تجعلها ثمرة استنتاج مشترك بينها وكلماتها وأفكارها وبين المتلقي وفكر القارئ لأنها تحرص أن تكون قريبة من ذهنيته ومن مشاعره التي تراعيها لأبعد الحدود.. فالقراء جميعا أصدقاء لها حتى خصومها فإنها لم تسخرهم وكأنهم مشاريع جاهزة للمصالحة فلم تعرف الحقد والبغضاء ولم تتصف بالمكابرة وادعاء المعرفة المطلقة!!..
في جنازتها الحزينة أمسك بي أحد المواطنين وعرفني بنفسه وقال لي: كنت أقرأ ما تكتب أحس بأنها واحدة من أهل بيتي تعلمت منها الكثير!!.
هنيئا يا رؤوفة ليس زملائك وزميلاتك فحسب وليس طلابك في فصول الجامعة.. هناك القراء من كل الأعمار حزنوا لرحيلك وبكوا عليك وتجرعوا آلام فقدك وارتقائك للرفيق الأعلى لاشك هؤلاء القراء منتشرون في كل الوطن هم يتجرعون حزنا كبيرا عليك ومن دموعهم السخية ترتوي شجرة المحبة الباسقة التي غرستها وزرعتها في كل القلوب!!.
فغلبة روح الحكاية على عمودها والرغبة في السرد والمجابرة كانت تنطلق مع حبها للآخرين وثقتها في اكتساب صداقتهم ورفقتهم وذلك من أبرز خصائص عمودها الصحفي مما يوقع القارئ أسيرا لهذا الأسلوب الذي تميزت به دون جميع الأعمدة الصحفية التي تتوزع في صحافتنا اليومية والأسبوعية ويهتم بها القارئ والمتابع وهو ما يكشف جمال النثر لديها وأعرف أنها كتبت بعض الشعر ولا أعرف أنها نشرته.. على العموم هي لا تكتب للخواص هي تكتب للشعب وللأمة ككل.
فهي امرأة منتصرة لأنها لم تذعن أو تنهزم وواجهت عنت التقاليد الصعبة وكما انتصرت في بوتقة الأسرة وكانت الراعي الأمين لها والمربي الكريم والمتفهم لإخوتها وأ