مشاهد يومية: الفساد يقتل الحلم…
عبدالرحمن بجاش
عبدالرحمن بجاش
عبدالرحمن بجاش
{ قال زميلي وكنا نتحدث في أمور كثيرة : أحلم ببيت صغير وسيارة صغيرة ومقدرة على السفر شهرا في العام سألني : هل تراه حلما مشروعا لشاب مثلي¿ قلت : بل هو حلم متواضع لكنه من حقك.
كان زميل آخر يقول لي قبل سنوات وقد أصبح مدرسا بجامعة تعز : أن تكون مواطنا كامل المواطنة بتوافر بيت وسيارة ومرتب يحفظ كرامتك السؤال : هل من حق الشاب أو الإنسان عموما أن يحلم¿ الإجابة الطبيعية : نعم بل إن أبسط واجبات الدولة أن تحفظ كرامة الإنسان بتحقيق حلمه البسيط وكان يمكن لها أن تتحقق أحلامنا البسيطة والمشروعة لولا أن احتل الفساد منافذ حتى الهواء وتخيل مرة أخرى إنسانا يحلم بتلك المطالب الأبسط ليكون مستورا وآخر يحلم ويحقق أن يكون له في البنوك مليارات وليس سيارة واحدة بل سيارات يصل خيرها إلى الأهل والولد.
كان بإمكان الإنسان في هذه البلاد أن يحقق وبجهده أحلامه البسيطة والمشروعة كما قلنا لكن طغيان الفساد قضى على كل الأحلام وتحولت الحالة العامة أناسا في السماء كانوا لا يمتلكون الريالات فإذا بهم أصحاب مليارات وهم اليوم منú يشيرون إلى الآخرين مشككين بانتمائهم وسيأتي وقت يشيرون إليهم على أنهم ليسوا مواطنين!!
هذه البلاد بها من الموارد والخيرات ما يفوق حاجة إنسانها لكن الفساد يئد الحياة كلها ويقذف بمعظم الناس إلى مهاوي الحاجة ولذلك ترى الشعار إياه بائنا للعين بوضوح حيث تحول معظم الموظفين إلى نتاج لـ «جوöع كلبك يتبعك» والمصيبة أن لا أحد يريد أن يعترف أن هناك فسادا يزكم الأنوف ما يتيح المجال لöمنú هو فاسد أن يصبح أكثر فسادا طالما لا أحد يحاسب أو يراقب!!
وتسمح لي هيئة مكافحة الفساد أن أبتسم حين أقرأ خبرا عن إحالة عدد كذا إلى النيابة بسبب عدم إيصالهم إقرارات الذمة المالية ولمنحها شهادات النزاهة والشفافية يمينا وشمالا حتى أضحت هذه الشهادات كتلك التي توزعها منظمة الدفاع عن الوحدة التي تشهد لكل منú يريد أنه وحدوي!!
إقرارات الذمة عن ماذا ولماذا¿ يصبح الأمر مضحكا وأنت ترى كثيرين يرسلون إقراراتهم وفي نفس الوقت لا تصل تلك الإقرارات إلا والخزائن قد تكدست بجديد الأموال بكل أشكالها وألوانها!!
متى نرى ملفات للرؤوس المثقلة بالمال والسيارات والعمارات والشركات وقد أحيلت فعلا إلى النيابة¿ أما صغار الموظفين الذين ليس لهم ظهر ولا رأس يحميهم ويتوسط لهم فهؤلاء ضحايا للرؤوس يدفعون الثمن نيابة أو لغبائهم بهبرهم لبضعة قروش بينما المطلوب إذا سرقت أن تسرق جملا!!
إذا أردنا تحديد العدو الأول لهذه البلاد فهو الفساد الفساد الفساد وما لم يجتث هذا المرض من جذوره هو وأصحابه فثقوا أن الأمور ستظل كما هي بل وأسوأ ومهما عمل المخلصون وهم موجودون – أيضا – ولكن مضروبون كما يقال ولكنهم بنزاهتهم لا يزالون يحلمون ويعملون.
نقول سيظل الفاسد هو منú يتسيد المشهد وهو منú يلوح بيده منتصرا يمينا وشمالا وبهما يراكم الثروة لأن الحساب بعيد بعيد.
لنتخيل أن كل فاسد إذا ما استعيد جزء مما معه فيعني أن تحل مشكلة عدد كبير من هؤلاء الشباب الذين يفقدون الحلم وفوق هذا تجدنا نتهمهم بكل النعوت والأوصاف بينما الفاسدون الذين نهبوا حقهم هم منú يستحقون وصف البلاطجة وكل الأوصاف السيئة لأنهم سرق سرقوا الماضي والحاضر وينهبون مستقبل هؤلاء الذين تراهم في الشوارع يبحثون عن أمل ونحن نؤكلهم كل يوم كلاما لا يسمن ولا يغني من جوع والفاسدون يتلذذون وكلما تأزمت الأحوال فرحوا أكثر لأن الجو سيصفو أمامهم وسينهبون ما تبقى.
وهؤلاء أول الناس الذين سيتركون وسيهربون لأن لا مبادئ لهم ولا قيم ولا كرامة فمتى كان للسارق كرامة¿ متى كان لناهب المال العام أمانة¿ هؤلاء أول منú سيقفز من السفينة لأنه تعود أن ينال مقابل كل شيء.
وحدهم هؤلاء الذين يبحثون عن الأمل من الشباب سيظلون لأنهم مغروسون في الطين.
سيقول أي فاسد بعد قراءته هذا وغيره : غنوا لكم غنوا أنتم مجرد مساكين لا تدرون ثلث الثلاثة كم وطالما أن لا محاسبة ولا حساب فمن حقهم أن يقولوا لكننا نقولها لöمنú لا يزال في رأسه عقل : هؤلاء هم سبب الخراب فليقتلعوا الجذور إذا أريد لهذه البلاد أن تنجو.