كان وقبائلها«32» 

يتحسس جسد أيامه
ويبحث عن عامه المفقود
وعصافيره التي تركت أعشاشها
ونسيت زقزقتها معلقة في الفضاء
تتأرجح دونما اتجاه
وتحضر مراسم كل صباح
ملبد بندى الرصاص..
 
كان العمر
يبحث عن تعويض لأيامه المفقودة
وعامه الشهيد
ويبحث عن ضوء
يخرجه من عتمة الأسئلة الكثيفة
وعن قطرة أمل
يحلي بها أوقاته المريرة..
 
كان العمر
يردم فجوات أيامه الضائعة
ببقايا ضحكات متيبسة
على أغصان الصدى
ويرقع متاهاته المتناسلة بغياب أليف
وبأعذار واهية للنسيان..
 
كان العمر
يستمطر أماني غده
ويبعث بباقة قبلات
إلى أغنياته النائمة تحت رذاذ الشجن
وإلى خطواته الممتلئة بحيرة الدروب
ومنعطفاتها المتقافزة بالمفاجآت
ومزحاتها غير السارة في معظم الأحيان..
 
كان العمر
يتمعن في الوجوه التي سلبته أيامه
وعبأت شوارعه بحرائق عابرة
وأشباح لائذة بحموضتها المنسية..
 
كان العمر
يزيح جميع اللاءات المحتشدة
ويمسح نثار العواصف المتهالكة
ويكنس أوراق المواسم الزائفة
وشعارات المراحل المتعاقبة
ويهيئ فجره المنتظر
وابتهالاته المقطرة
ونشيده الروحي..
 
كان العمر
يغلق دكاكينه في شارع الرواية
ويطرد الهدنة من بيوت الحكمة
ويمهل الحياد أربعا وعشرين فرصة
لمغادرة الأبجدية إلى متحف الذكريات..
ويحذر نمل القلق
من الاعتداء على عسل تجاربه
أو الزحف على قمح رؤاه..
 
كان العمر
يشك جميع المتناقضات في خيط واحد
ويضيف إليها فلسفة العثرات
وهنهنة التأويلات وشطحات التفسيرات
والرأي الآخر لأفواه الصمت
ونصوص قوانين النظرة العميقة
ونباهة عبق البراري
وثعالبها الحذرة من كل رفة هواء
تنثر قبلاتها بصورة مريبة..
 
كان العمر
يحصي آهاته العاطلة عن العمل
ورغباته الطائشة
وخسائره الوطنية
وأرباح أرصدته في الريح
وحصاد ربيعه السريالي
وديونه المتراكمة للفراغ المرابي
ونظراته الخائبة في الحب
وأغنامه التي افترستها ذئاب القلق
وخطواته التي استمالها الملل
وأشواقه التي اعتزلت الطيران
ومشاغباته التي ربت لحية الوقار
وأصابعه التي احترفت السلام.
 
كان العمر
يخلع نفسه من ولاية عهد الهموم
وينضم إلى نفسه
يتنحى عن سلطاته في الأشجان العامة
ويتفرغ لتربية براكينه الصاعدة
يلتحق بصفوف الأمل
ويجتهد كثيرا
لعله يحصل على منحة مجانية
إلى راحة البال.
 
كان السقوط
يمتنع عن دفع قيمة »الشاي«
ويهدد نادل المقهى
بتنظيم مظاهرة تطالب برحيله
وبتغيير لون الشاي
ومصادرة جميع الكراسي الخشبية.
 
كان السقوط
ينشر أمراضه المستوردة
ويعتذر لقراء الفوضى
عن إلغاء معاني الحب وصفاته
من صفحات جريدته الوطنية
وعن نشر أبراج اليوم
وأخبار البطولات الرياضية
وما يكتبه بعض الشهداء
عن بعض العواصف العابرة..
وعن حجب مقالات السعادة الزوجية
لإضرارها بالأمن العام
وتهديد استقرار حكومة السراب..
وعن حذف جميع الضمائر
وحجب الماضي وتجاهل الحاضر
من كل أحاديث الغد وأخبار اليباب.
 
كان السقوط
يطفئ شمعته في العاشرة مساء
ويلتحف شائعاته المنتشرة
غير مبال بالأتربة المالحة
وبالجروح الجائلة في طرقات اللامبالاة.
 
كان السقوط
يدشن عصره بتتويج الجهل
بطلا قوميا للمعرفة
وبتوزيع عفونة العصبيات السقيمة
على المارة
وبتمجيد الأوبئة المخيفة
وبمنح المناطقية الموبوءة بالاحقاد
تذكرة دخول إلى حلبة المصارعة
ومتحف الفنتازيا
وبتعيين الظلام
مديرا لمدرسة الفجر الجديد..
 
كان السقوط
يغتاظ من ألوان العلم الوطني ويدعو جميع الأمراض النفسية
إلى مظاهرة سلمية لتغييره
بلون متشرد يمقت الحياة..
 
كان السقوط
يسك عملته الجديدة
ويبشر حفاري القبور
بازدهار اقتصادي
وبرواج كبير للجوعى..
 
كان الغد
يفتش عن اسم