هل نغسل أيدينا ¿
جميل مفرح
جميل مفرح
جميل مفرöح
في بعض الأحيان تحضر المفارقات فتأخذ الذهن والبال مأخذا حد الانشداه وحد عدم التصديق وأحيانا يقع الحافر كما قيل قديما على الحافر فيتطابقان مطابقة تصل إلى اللامعقول فنلقي بهذا وذاك على عاتق الصدفة أحيانا وأحيانا أخرى نحمل عاتق هذا الوقوع أو ذاك الحدث مالا يحتمل من التأويلات والتخريجات والاحتمالات مستحضرين ما نستطيع استحضاره من ثقافاتنا الإنسانية من دروس وعبر وعظات وما إلى ذلك من متروك تراثنا البشري استنادا على ضرورة التدبر في ذلك التراث والتعلم منه لحياتنا الحاضرة والمستقبلية.
قد تكون هذه المقدمة شبيهة إلى حدما بالمقدمات الطللية التي صدرها إلينا أيضا تراثنا وقد نعتبرها تصديقا وتثبيتا لما ورد فيها من معنى وما انتظمها من فكرة.. ومع ذلك وجدت نفسي في لحظة ما محتاجا إليها للوصول عبرها إلى فكرة مفارقات وتطابقات ما نعيشة من واقع يومي يفرض علينا حتى اللجوء إلى المخبوءات والمكنوزات والمنسيات من الأفكار بحثا عن نافذة خلاص وأملا في إيجاد حتى ثقب ضوء يقيني يصرخ في وجه ما نحياه من ظلام في الحيلة وفوضى في الإدراك..
قبل أيام قليلة احتفى كثير من بلدان العالم باليوم العالمي لغسل اليدين, وهو احتفاء لا يمكن أن نهمله أو نضعه على هامش حياتنا كما يعتقد الكثيرون, وإن كان كثير من هؤلاء الكثيرين ربما لأول مرة في حياتهم يسمعون عن يوم كهذا, ويكتفون عند العلم بالسخرية اللاذعة والتعليق بأن ثمة من هو فارغ وهامشي في هذا العالم إلى هذا الحد, بتساؤل استغرابي استهجاني ملفت للنظر.. ذلك حصل ويحصل من كثير ممن علموا أو يعلمون للمرة الأولى أن هناك مناسبة عالمية لغسل اليدين ويوما عالميا بأكمله وبجلال قدره من أجل عملية بسيطة كهذه نازعين من أذهانهم حتى فكرة التأمل والبحث عن جدوى هذا السلوك البسيط فما بالك الالتزام به والاحتفاء مع المحتفين به.
ولم يخطر في بال هؤلاء أن عملية بسيطة كهذه هي مفتاح أو مؤشر للسلوك الشخصي للفرد ومدى انسجامه وتواؤمه مع ما حوله من واقع ومن سلوك ومن مناسبات أيضا وتأكيد على أهمية النظافة كعلامة من علامات الإنسان المتحضر الجديد, ذلك إضافة إلى ما لذلك من وقاية صحية من كثير من الأمراض الخطيرة والقاتلة التي أثبتت وتثبت البحوث أن اليدين أهم نافذة عبور لها صوب جسد الإنسان.
> وحين نعود إلى المفارقات وتطابق الحال نتأمل أن هذه المناسبة التي توافق منتصف أكتوبر من كل عام تقريبا, قد أصبحت تطل علينا في توافق زمني نحن أمس الحاجة فيه إلى غسل أيدينا من لوث الحياة في مختلف نواحيها.. وغسل العالم يديه مما يقترف اليوم في حق الإنسانية والقيم العليا والسلوك القويم أصبح بيقيني ضرورة لازمة لا جدال فيها.
إن ما يجري في حق الإنسانية وقيمها السامية يفرض علينا اليوم أياما وربما شهورا من كل عام أو فلنقل يلزمنا بأن نغسل أيدينا كبشر كل لحظة مما اقترفه ويقترفه صنفنا الراقي في حق الحياة وفي حق نفسه وفي حق قيم الحرية والعدالة والإنصاف والمساواة من جرائم أصبح معدل قياسها يسابق اللحظة والثانية والوهلة..
{ أليس من واجب الإنسانية المتحضر اليوم أن يحتفي بمناسبة كهذه احتفالا حقيقيا يشمل غسل اليدين في مختلف معانيه وقيمه وليس استخدام لتر من الماء والصابون وحسب بهذه العملية¿! أم نكتفي بالاعتراف بأن هذه المناسبة تعني فقط تلك العملية الآلية البسيطة أم نطبقها بطريقة أخرى ونتحايل على العبارة والمعنى فنغسل أيدينا بسوائل ومعان أخرى لنجد أيدينا كل لحظة مغسولة إما بدمائنا أو بجشعنا أو باقترافاتنا التي تناقض كل معنى بشري معتدل وسوي.
{ أخيرا نتمنى أن تظل أيدينا مغسولة من كل ما يمكن أن يضر بنا وبسواناوبقيمنا وأخلاقنا وسلوك البشرية السمحاء وألا نغسل أيدينا كما يفعل البعض بالدماء وبحقوق ومقدرات الغير الذين من حقهم أن يعيشوا على هذه الأرض قدر ما لنا حق في ذلك.. ونتمنى أن تظل أحلامنا سوية طبيعية وآمالنا لسوانا كما هي لنا وألا نغسل أيدينا كما يقال من بعضنا ومن إمكانية صلاح أمرنا .. والله من وراء المبتغى والمقصود.