كان وقبائلها «22» 

كان الصباح
ينفض عن إزاره فتات الظلام
ويكحل عيونه ببسمات الأطفال
يشد على يدي الفلاح
ويطرب لصوت امرأة في الحقول.
 
كان الورد
يقترح ربيعا محايدا للفوح
والحوار على قبلة قادمة..
ويدخر البهجة لعيون تجيد قراءة اللوعة
وأصابع تعرف طريقها إلى الدهشة.
 
كان الورد
يرتب هيئته ويشذب ترف أناقته
يتحسس مواضع ذخيرته المخبأة
ويتساءل بمكر :
هل الأمم المتحدة
ستعتبر الغاز المسيل للأشواق
ضمن أسلحة الدمار الشامل¿!
 
كان الورد
يفتح في قاموس العاشقين
بابا جديدا للحب وأبجدية جديدة للحياة..
يكتب في الصفحة الأولى من كتاب الهيام
اسم منú لوعه
ومن تمردوا على أشواقه.
 
كان الرشاش
يتغندر فوق سيارات قطاع الأشجار/الأحلام
ويصب لعناته النارية على الباعة
وعلى الأموات الذين لم يشاهدوا بطولاته
وعلى المواجع التي لم تفرح بإنجازاته
والشوارع التي لم تبارك مسيرته الظافرة.
 
كان الرشاش
يصرخ في وجوه النوافذ المتعبة
وجرر الأيام العتيقة
والبيوت المتكومة على أحزانها
والأسواق المفتوحة على الوحشة
والبساتين الباحثة عن عصافيرها
والكائنات العابرة إلى شرودها..
يزعق في وجه الجميع
ويصدر أوامره بوقف الحركة
حتى إشعار من الطلقة القادمة.
 
كان الرشاش
يلقي تخمته على جمهور الجوعى
ويأمرهم بالدعاء بدوام خيره..
يستعرض عضلاته المزمجرة
ويلتقط الصور التذكارية مع ضحاياه
ويوقع على دفاتر المعجبات
ويمنحهن موعدا للقاء آخر السهرة.
 
كان الرشاش
يفند ادعاءات خصومه الباطلة
وينفي مزاعم جماجم الأطفال المتفجرة
يكذب هلع المدينة
ويسخر من شكاوى الدماء المتدفقة..
ينفي أية صلة له بالمآسي الجماعية
ويتوعد الجميع بالكشف عن الحقائق
وبرد قاطع يوضح نواياه.
 
كان السارد
يهرب من شخوص روايته
ومن أزمنته المتداخلة
وأمكنته المتعددة وحبكته الضائعة
والضمائر المتصارعة على سرد الأحداث.
 
كان السارد
يتخفى خلف أقنعة التاريخ
ويسير بعيدا عن أروقة المكائد
وقاعات الدسائس المتوالية
ومدن الأسمنت البلهاء
وشوارع الصراع المتلون.
 
كان السارد
يقتفي أثر الغامض
ويجمع ملامح الحكاية
ويتتبع بذور الأضداد ونفسية المراحل
ويتقرأ بواطن الأمور
ويضع احتمالاته لنهاية أبطاله.
 
كان السارد
ينفرد ببطلة الرواية ووصيفاتها
يتحرش بترفها الأنثوي
وبصفاتها الرخوة ودلالها الفوضوي
ويؤجج شباب صبواتها وجموحها
ويحجز لها دورا رئيسيا
في الفصل القادم من عصر النهايات المفتوحة.
 
كان الفلكلور
يتفقد ملامحه المتسربة
ويمسح على جروحه المتلاحقة
يهمس بحنينه لثوب المرأة الشعبي المطرز بالحقول
ولقميص القروي المنسوج بالذكريات
يبوح بحنينه لباب البيت
ولزير الماء الطيني
ولرغيف الخبز المطعم بالسمسم والحبة السوداء
ولطيبة الناس المرسومة في الوجوه
ولـ »جمنة« القهوة و»ربعة« الخبز
وموقد الفحم وكوز الماء المبخر
ومكحلة الجد المثابر على أناقته
ولمة الأهل كل يوم جمعة حول سفرة الطعام
وغناء النساء في فناء البيوت
وهزار البيت المتوالي
وتفاخر الشباب بمزايا القيم النبيلة
وهمس الصبايا عن العرس القادم.
 
كان الفلكلور
يكره عصر الليزر
ويرسل تحياته العاطرة إلى فانوسه المهمل
ويتندر على عولمة الكراهية
ويتذكر فيضان المحبة وينابيعها المتدفقة
يتجنب السير في مدن الحقد المسلح
ويفتش في ذاكرة الأيام
عن ثقوب يتسرب منها إلى ملاعب صباه
ومدنه المأهولة بالبراءة.
 
كان العصفور
يترك عشه ويرحل تحت أزيز الرصاص
يبحث عن شجرة تؤمن بالحياد والسلم
وتصون حقوق الجار والحيوان
وعن أرض لا تميز بين الكائنات
وعن اتجاهات لا تسمح بعبور القذائف.
 
كان العصفور
يتعوذ من صلف الخصوم
ومن إصرارهم على إشعال الحرائق
ومطاردة الأشجار
وقنص أية عندلة أو شقشقة
واعتقال كل خيال يغامر
بت

قد يعجبك ايضا