مساحة للراحة 

محررو الموقع


محررو الموقع

د. رؤوفة حسن الشرقيالجو العام مليء بالتوتر مما يجعل الأحكام متعجلة مسرعة وتقع بسهولة في غياهب الصور النمطية والكليشيهات المبتذلة. نقول الكلام باستعجال فيتم فهمنا على نحو خاطئ ونفهم ردود الفعل على نحو أكثر حدة وانفعالا فننتهي إلى قدر قليل من فقدان الاحترام وقدر أكبر من الأحكام السلبية الجاهزة.
فنحن في النهاية حصيلة مجموعة من التراكمات والترسبات التي تنمو في أعماقنا وتتمازج وتسهل علينا الحياة. فليس لدينا الوقت كي نمنح الآخرين فرصة كافية لتقديم أنفسهم والتعرف على معادنهم بل نكتفي بمجموعة من التصورات مبنية على ما سمعنا عنهم أو على القرناء الذين يختلطون بهم.
وبذلك ننطلق في التعامل في حياتنا الخاصة والعامة على نحو سواء. من منا يملك الوقت لكي يمنح نفسه والآخرين الوقت الكافي والتفاصيل اللازمة لتشكيل صورة عن التركيبة المعقدة المكونة من مجموعة من الذكريات والخبرات والمعارف التي لدينا أو لديهم¿.
خاصة مع هذا الكم الهائل من مجاميع الناس الذين نتعرف عليهم كل يوم ولن نلتقي بهم ثانية إلا نادرا لكننا لا نملك الحذر الكافي كي لا نقع في مظان المعرفة المتعجلة وبالتالي نحدد خطواتنا المستقبلية وأفعالنا معهم أو عنهم على تلك التصورات.
لذا فيما يتعلق بي شخصيا ألجأ إلى كل فرصة بعد عن الساحة العامة كي أتمكن من البعد عن نفسي ومن حولي لكي أتمكن من التأمل والرؤية عن بعد بما يضمن الاقتراب من الموضوعية والقدرة على التسامح والفهم.
الحرص في الكلمة: تأجيل بعض القضايا حتى تنضج الرؤية لها خير من الاستعجال واتخاذ قرارات خاطئة بشأنها.
هذه حكمة تعلمتها من سلسلة التجارب الحياتية وخاصة في المجال العملي ولهذا أحمل حالة دائمة من الدهشة مع ممارسة السياسيين اليومية الذين لا يملكون وقتا كافيا للتفكير في أي شيء وتتطلب منهم طبيعة عملهم أن يقوموا بالبت وطرح قضايا في غاية الأهمية في أسرع وقت ممكن.
ثم تكشف الملابسات والظروف خطأ قراراتهم وأطروحاتهم التبريرية لذلك سرعان ما ينطلقون ثانية لطرح عكس ما كانوا قد صرحوا به بنفس القناعة والحماس الذي قالوا به عكس الفكرة من قبل.
انها عملية مذهلة دون شك وتحتاج إلى قوة في المواصلة دون أن يحدث خلل في الروح وهزة في النفس تخرج المرء عن طوره وتسبب له انتكاسة في أعماقه تتضح ملامحها على جلدة وجهه مهما طالت به حالة المنافحة المملة. ربما ما يسمح للبعض من الذين يبقون في الساحة فترة طويلة هو إقلالهم من الكلام والتصريحات ذات المعنى الواضح والمحدد.
فلو تتبعت شخصية واحدة من شخصيات الفعل السياسي التي بقيت دوما في الصدارة وحصلت على ثقة الناس لوجدت أنها هي الشخصيات التي تستطيع الاستمرار وتتمتع بالحنكة والبصيرة وهي نفسها التي لا تملك عنها كثيرا من التصريحات المتناقضة.
الاستراحة: الأشخاص الذين لايملكون قدرات السياسيين ومصابين بهاجس محاولة فهم الصورة الكاملة يحتاجون إلى كثير من الوقت ومزيد من الاستراحات التفكيرية في مساحة يومهم وأسبوعهم وعامهم وربما مجمل حياتهم.
وقد أعجبتني طريقة تحليل شبابية كتبها أحد مجموع فريق شبابي طوعي ناشط تابع لمؤسسة تنمية القدرات الشبابية عن الممارسات الدينية كنظام سماوي لكسر الرتابة والملل.
فالصلوات الخمس كسر لرتابة اليوم وإجازة الجمعة وصلاتها الجماعية كسر لرتابة الأسبوع وصوم رمضان كسر لرتابة العام.
المهم أننا جميعا نحتاج بين الحين والآخر وكلما شعرنا بتزايد التوتر في حياتنا أن نخرج عن النمط اليومي المألوف لنا ونفعل شيئا مغايرا يتيح لنا قليلا من سلامة النفس والعقل والبصيرة.
يستطيع الآباء والأمهات الخروج بأولادهم في ساحة حديقة عامة أو حتى الخروج إلى أطراف المدن والسير قليلا في جو من النقاء البيئي بعيدا عن العمران وعن عادم السيارات وتلوث السمع والبصر بأصوات أبواق السيارات والموتورات والمناظر المتناقضة.
المهم الخروج من حالة التحديق في قنوات بث الأخبار المبالغة وصانعي الرعب والاحباط من محللي الأحداث السياسية والعودة إلى الذات والى الناس الذين نعرفهم فعلا ولا نحتاج معهم إلى حذر في تقديم الذات او التنبه إلى زلات اللسان. حتى المخزنين المدمنين بحاجة إلى يوم واحد على الأقل في الاسبوع يتخلون فيه عن هذا الفعل الذي ستحاسبهم عليه أجيال المستقبل كي يفكروا في أنفسهم ومن حولهم بشعور ولوقليل من المسؤولية.
الكل بحاجة إلى استراحة ولعل العائلات وأمهات طلاب المدارس الذين بدأوا امتحاناتهم أو قريبا سيبدأون هم الذين سيحتاجون إلى كثير من النوم وكثير من الاستراحات عن الذكريات للتعلم التلقيني المريرة.
raufah@hotmai

قد يعجبك ايضا