
كتب/علي البشيري –
د الشرعبي: حجم المساعدات التي تلقاها اليمن ضئيلة مقارنة بحجم ومستوى النشاط الدبلوماسي المبذول في هذا المجال
أكدت دراسة حديثة أعدها الدكتور عادل عبدالقوي حاتم الشرعبي أن حجم المساعدات التي تلقاها اليمن خلال الفترة 1995-2012م كانت ضئيلة مقارنة بحجم ومستوى النشاط الدبلوماسي الذي بذله اليمن في هذا المجال .
وكشفت الدراسة أن إجمالي المساعدات التي تلقاها اليمن خلال الفترة 1990-2005م حوالي 5.1 مليار دولار منها حوالي 1.4 مليار دولار (27.7%) تم خلال الفترة 1990-1994 بمتوسط سنوي بلغ حوالي 284.7 مليون دولار . في حين بلغ إجمالي المساعدات التي تلقاها اليمن خلال الفترة 1995-2005 حوالي 3.7 مليار دولار وبمتوسط سنوي بلغ حوالي 337.7 مليون دولار . منها 1.9 مليار دولار (حوالي 50%) تم خلال فترة تنفيذ مراحل الإصلاحات الاقتصادية (1995-2000) . وهذا يعني أن حجم الزيادة في المساعدات المتدفقة على اليمن خلال الفترة 1995-2005م لم تكن كبيرة مقارنة بما تلقاه اليمن من مساعدات خلال الفترة السابقة 1990-1994 والتي شهدت أصلاٍ انخفاضاٍ في حجم المساعدات الأجنبية التي كان يتلقاها اليمن كإجراء عقابي على موقفه من أزمة وحرب الخليج الثانية. كما أن حجم هذه المساعدات لا يتناسب مع حجم التنازلات التي قدمها اليمن للدول والمنظمات الدولية المانحة خلال ذات الفترة 1995-2005 لاسيما من خلال التزامه بتنفيذ برنامج التثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي تحت إشراف المؤسسات المالية الدولية .
وبحسب الدراسة التي أعدها الدكتور الشرعبي حول»دور الدبلوماسية اليمنية في تعبئة المساعدات والقروض الخارجية خلال الفترة 1995-2012» قدمت إلى ندوة (الدبلوماسية اليمنية في خمسين عاما : نجاحاتها وإخفاقاتها ) فقد مثلت المساعدات التنموية الرسمية التي حصل عليها اليمن خلال الفترة 1995-2005 من مختلف المصادر الثنائية ومتعددة الأطراف حوالي 3.9% من إجمالي الناتج المحلي في متوسط الفترة المذكورة . أي بمتوسط 337.7 مليون دولار سنويا . وتمثل 0.6% فقط من إجمالي المساعدات التي تلقتها الدول النامية في متوسط الفترة المذكورة. كما بلغ المتوسط السنوي لنصيب الفرد منها حوالي 12 دولاراٍ فقط . فضلاٍ عن أنها لا تمثل سوى أقل من 15% من نفقات التنمية .
كما بلغت المساعدات الرسمية المقدمة لليمن من جميع المصادر خلال الأعوام 2006 2007 2008 2009 2010 حوالي 280 236.2 305.5 252.39 282.09 مليون دولار على التوالي أي أن مجموع المساعدات خلال الفترة 2006-2010 بلغ 1490.92 مليون دولار فقط . وبهذا يصبح مجموع المساعدات التي تلقاها اليمن خلال الفترة 1995-2010 هو 5190.92 مليون دولار .
وبينت الدراسة أن حجم تلك المساعدات يعتبر ضئيلاٍ إلى حد كبير مقارنة بما تلقته دول نامية أخرى خلال الفترة 1995-2005 كفيتنام (15.3 مليار دولار) والكونغو الديمقراطية (11.4 مليار دولار) وزامبيا (8.7 مليار دولار ) وغانا (8.5 مليار دولار) والكاميرون (5.9 مليار دولار ) والسودان (5.2 مليار دولار) وهي دول تشترك مع اليمن في العديد من الخصائص على الصعيد التنموي حيث تصنف ضمن الدول منخفضة الدخل وذات تنمية بشرية منخفضة كما تحتل مراتب متقاربة مع اليمن ضمن دليل تقييم السياسات والعمل المؤسسي وفقاٍ لمؤشر قياس المؤسسة الدولية للتنمية .
كما بلغ حجم التعهدات التي التزم بها المانحون في مؤتمر أصدقاء اليمن في الرياض في الرابع من سبتمبر 2012 حوالي 6.4 مليار دولار .(4) منها أربعة مليارات دولار سبق وأن أْعلن عنها خلال اجتماع «أصدقاء اليمن» الذي استضافته الرياض في نهاية مايو 2012 منها 3.25 مليار دولار تعهدات من الحكومة السعودية و846 مليون دولار من الولايات المتحدة الأمريكية يليها صندوق التنمية العربي (510 ملايين دولار) فالبنك الدولي (400 مليون دولار) وصندوق النقد العربي (380 مليون دولار) وبريطانيا (311 مليون دولار).كما تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم مبلغ 214 مليون دولار في حين أعلنت ألمانيا عن مبلغ 158 مليون دولار وهولندا عن 100 مليون دولار.
كما انخفضت نسبة المساعدات المقدمة لليمن من إجمالي الناتج المحلي من 8.3% عام 1990 إلى 2.2% عام 2005 . وهو ما يعني أن التكلفة السياسية والاجتماعية التي دفعها اليمن من خلال التزامه بشروط المؤسسات المالية الدولية في عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي لم تكن موازية لحجم تلك المساعدات . بمعنى أن الالتزام اليمني بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المقترح من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وما ترتب عليه من آثار سلبية لاسيما على المستويين السياسي والاجتماعي لم يقابله تدفق كبير للمعونات التي وْعد بها اليمن لمواجهة متطلبات التنمية هذا من جهة . ومن جهة أخرى يتضح أن أكثر من نصف تلك المساعدات كان مصدرها ثنائي وهو ما يعني أنها ارتبطت في الغالب بشروط قد تتباين من حالة لأخرى لكنها بشكل عام تنال من الخيارات الاستقلالية للقرار السياسي اليمني .
شروط سياسية
ويقول الدكتور الشرعبي : إن المساعدات المتلقاة من المصادر متعددة الأطراف لا تخلو هي الأخرى من شروط سياسية واقتصادية خصوصا في ظل هيمنة الاعتبارات السياسية على عمل المؤسسات المالية الدولية .(6) فقد استهدف الدعم الدولي لليمن خلال الفترة المذكورة مساندة اليمن في عملية التحول الاقتصادي باتجاه اقتصاد السوق والتي شرع اليمن فيها منذ توقيع مذكرة التفاهم مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في نوفمبر 1995 والتزم بموجبها بتنفيذ برنامج واسع من الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية وبالمقابل التزمت وكالات التنمية الدولية وبعض الدول المانحة بتقديم العون المالي والفني لإنجاح هذه الإصلاحات بموجب اتفاقيات مساعدات مشروطة بحيث يتوقف استمرار هذه المساعدات على مدى التزام الحكومة اليمنية بتحقيق برامج تصحيح سنوي ونصف سنوي وربع سنوي على أن تكون معايير الأداء ومؤشرات الأداء التي وضعها الصندوق معياراٍ لمدى التزام الحكومة اليمنية بالتعهدات والالتزامات التي قطعتها على نفسها .
ويضيف : ومن ناحية أخرى ونتيجة لهيمنة القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية على المؤسسات المالية الدولية فقد عكست الاعتبارات السياسية نفسها على عمل تلك المؤسسات من خلال الشروط السياسية التي أضحت من الشروط الواجب توافرها في الدولة التي تسعى للاقتراض أو تطلب المساعدة من هذه المؤسسات مثل مستوى التحول الديمقراطي والحكم الصالح ودرجة الفساد التي تحتلها الدولة وفقاٍ لمؤشرات منظمات الشفافية العالمية .
وفي هذا الإطار ارتبط الدعم الدولي لليمن منذ عام 1995م بقضية الإصلاحات السياسية والاقتصادية. وشكلت مكونات الحكم الجيد عناصر رئيسية في تقييم أداء اليمن في عملية التنمية الشاملة. فعلى سبيل المثال ترتب على تراجع وتيرة الإصلاحات وإجراءات الحكم الجيد في اليمن خلال عامي 2004 و 2005م تغير في موقف العديد من الدول والمؤسسات الدولية المانحة لليمن بشكل دفعها إلى تقليص حجم معوناتها الاقتصادية لليمن.
ولم يقتصر دور المانحين على توجيه القرار الاقتصادي لليمن بل امتد ذلك إلى القرار السياسي . فعلى سبيل المثال أدان الاتحاد الأوروبي الحكومة اليمنية بشأن انتهاك حقوق الإنسان بناءٍ على تقرير منظمة العفو الدولية الصادر عام 1997 بل واعتبر أن استمرار المعونات التي يقدمها لليمن مرهون بمدى التقدم الذي سيحرزه اليمن في مجال حقوق الإنسان. كما طالب البيان الصادر عن مؤتمر الدول المانحة في بروكسل في يونيو 1997 والذي أقر منح اليمن 1.8 مليار دولار لدعم الإصلاحات الهيكلية الحكومة اليمنية إعطاء المزيد من الاهتمام بتعليم المرأة وتدريبها وكذلك إعطاء المعارضة السياسية المزيد من الاهتمام والمشاركة لتسهم في تطور المجتمع اليمني اجتماعيا واقتصاديا وقد ترتب على قبول اليمن لتلك القيود المزيد من التوترات الداخلية والضغوط الخارجية.
ولعل مؤتمر لندن للمانحين بشأن اليمن الذي عقد في 27 يناير 2010 يمثل نموذجا واضحا لتدخل مجتمع المانحين ونيله من الخيارات الاستقلالية للقرار اليمني . فقد التزمت الحكومة اليمنية بمواصلة عملية الإصلاح مقابل حصولها على دعم المانحين . كما بلغ حجم المساعدات المتلقاة في الأعوام 2007-2010 حوالي 169.04 207.02 252.39 282.09 على التوالي.
ويؤكد الدكتور الشرعبي أن المساعدات التي تلقاها اليمن خلال الفترة 1995-2010م قد اتسمت بضآلتها من جهة أولى وارتباطها بشروط سياسية واقتصادية من جهة ثانية وعدم فاعليتها من جهة ثالثة . الأمر الذي يدفع إلى القول بتدني مستوى كفاءة النظام العام في حشد المساعدات الاقتصادية وتوظيفها بطريقة سليمة تخدم عملية التنمية.
نجاح نسبي
وخلصت الدراسة إلى عدد من النتائج والتوصيات حيث أظهر ناتج سلوك تعبئة المساعدات والقروض الخارجية تِحِقْق نجاح نسبي في أداء الدبلوماسية اليمنية مع بعض جوانب القصور. غير أن تقييم أداء الدبلوماسية اليمنية بناءٍ على ناتج السلوك الخارجي فقط ربما تعوزه الدقة والموضوعية الأمر الذي يدفع باتجاه ضرورة البحث في معطيات البيئة الموضوعية التي تشكل الإطار الواقعي المحدد لذلك السلوك والمؤثر بالضرورة على مخرجاته ونواتجه. ومثل هذا الأمر بقدر ما يقدم إطاراٍ تفسيرياٍ للسلوك الخارجي ونواتجه يمثل معياراٍ هاماٍ لتقييم ذلك السلوك من منظور القدرة على تعظيم الفرص وتحييد القيود الكامنة في تلك البيئة .
إخفاق
وبينت الدراسة بأن صانع القرار اليمني أخفق في تحييد بعض قيود البيئة الداخلية لاسيما فيما يتعلق بتعاظم دور مراكز النفوذ وتفشي ظاهرة الفساد المالي والإداري الأمر الذي ترتب عليه سوء توظيف المساعدات والقروض الخارجية لصالح التنمية مما أثر على موقف العديد من الدول والمنظمات الدولية المانحة ودفعها بالتالي إلى تقليص حجم معوناتها المقدمة لليمن . كما أخفق صانع القرار اليمني في استغلال وتعظيم بعض الفرص التي كانت متاحة في البيئة الخارجية كالفرص الاقتصادية التي كان من الممكن تحقيقها من خلال معاهدة جدة عام 2000 بشأن تسوية الحدود اليمنية السعودية وفي ذات الوقت لم يستطع إعفاء نفسه من الضغوط الواردة من البيئة الخارجية الإقليمية والدولية وهو ما انعكس على سلوك اليمن الخارجي الذي اتسم بقدر كبير من التكيف مع المواقف الأمريكية من جهة ومع المواقف السعودية على المستوى الإقليمي من جهة أخرى .
ولفت الكتور الشرعبي إلى أن محدودية قدرة صانع القرار اليمني على استغلال وتعظيم بعض الفرص المتاحة وتحييد القيود الكامنة في بيئة السياسة الخارجية قد أثرت على طبيعة أداء الدبلوماسية اليمنية وبالتالي على حجم المساعدات والقروض الخارجية المتدفقة على اليمن وطبيعة الشروط المرتبطة بها .
محدودية الموارد
وأوضحت الدراسة أن ضعف أداء السياسة الخارجية اليمنية مرتبط بافتقارها إلى الموارد المادية والبشرية التي تعينها على تحقيق أهدافها بشكل مرضُ . فعلى سبيل المثال لم تتجاوز ميزانية وزارة الخارجية 64 مليون دولار فقط تمثل 0.009% من الموازنة العامة للدولة لعام 2009 . وهو أمر يؤثر دون شك في فاعلية السياسة الخارجية اليمنية . كما أن الموارد البشرية المتاحة للسياسة الخارجية اليمنية لا تتجاوز 616 موظف في السلك الدبلوماسي مع زيادة أو نقصان بنسبة 2-3% كنتيجة لحركة التقاعد والتوظيف الجديد سنويا . وهذا الكادر لا يتناسب حجما مع عدد البعثات الدبلوماسية اليمنية العاملة في الخارج والتي تبلغ 57 بعثة دبلوماسية يعمل فيها 288 دبلوماسياٍ من مختلف الدرجات الدبلوماسية . أي أن متوسط نصيب كل سفارة يمنية لا يتجاوز 5 موظفين فقط .
وأكدت أن ذلك الأداء بقدر ما تأثر بطبيعة الجهود التي بذلتها الدبلوماسية اليمنية في هذا المجال عِكِسِ طبيعة القاعدة الداخلية التي تستند إليها السياسة الخارجية اليمنية والتي مِثلت في كثير من جوانبها عنصراٍ معوقاٍ لأداء الدبلوماسية اليمنية. كما يعكس ذلك الأداء طبيعة العلاقة الجدلية بين السياستين الداخلية والخارجية خاصة في البلدان النامية التي تفتقر إلى الأْطر المؤسسية وضعف الرقابة الشعبية . الأمر الذي يدفع إلى القول بأن سلامة البيئة الداخلية وتوافر عناصر الاستقرار فيها يفرز سياسات خارجية سليمة تتسم بالكفاءة والأداء المتميز.
التوصيات
توصلت الدراسة إلى عدد من التوصيات أو الاقتراحات التي يمكن أن تسهم في تحسين أداء الدبلوماسية اليمنية وكفاءتها في مجال تعبئة المساعدات والقروض الخارجية منها إجراء مراجعة شاملة للعمل الدبلوماسي اليمني ولأجهزة تنفيذ السياسة الخارجية اليمنية على الأقل في بْعدها الاقتصادي . ففي ظل التشعب الذي أضحت تتسم به مجالات السياسة الخارجية وتنامي البْعد الاقتصادي في قائمة أولويات تلك السياسة ينبغي رفد العمل الدبلوماسي بالكادر الكفؤ والمتخصص في مجالات الاقتصاد والإدارة والاستثمار والمجالات التقنية وغيرها من المجالات ذات الصلة .
كما أوصت بإجراء دراسات نوعية معمقة لتلك الوزارات أو الهيئات المتخصصة بتعبئة المساعدات والقروض الخارجية أو لبعض الإدارات أو القطاعات التابعة لها كقطاع التعاون الدولي في وزارة التخطيط والتعاون الدولي وإدارة المساعدات والقروض في وزارة المالية…الخ . وذلك بغية تقييم أدوارها ومدى كفاءتها في تعبئة المساعدات والقروض الخارجية وإدارتها.
ودعت إلى وضع إستراتيجية استدانة مخططة ومدروسة تراعي قدرة الاقتصاد اليمني على تحمل الديون وخدمتها وعدم اللجوء إلى الاقتراض الخارجي إلا في أضيق الحدود.