
تحقيق/أسماء حيدر البزاز –
مختصون: ينبغى على الآباء أن لا يشعروا أبناءهم بانهم عبئ عليهم
الأقدار هي من اختارت لهم حياتهم فكان نصيبهم في الحياة هو الصبر والتحمل والتحدي والانطلاق رغم مرارة الإعاقة التي ألمت بهم إلا أنها ستبقى بالنسبة لهم صراعا حلوا مع الحياة لإثبات وجودهم بمباركة الأهل وصدق تحننهم وعظمة صمودهم , فكان واقع التميز والارتياح النفسي والوجداني حليف هؤلاء الأشخاص من ذوي الإعاقة .. وبين هذا وذاك تكمن أسر جعلت من إعاقة ولدها عالة وفضيحة فأردته حبيس آلامه ووارته عن عيون الناس وجعلت من القسوة والغلظة وتمني موته وزواله مبدأٍ للتعامل معه والتقزز منه وكأنه مجرد كائن متحجر منبوذ من المجتمع بل من الحياة بأكملها…
مشهد مأساوي
وفي مستهل هذا التحقيق نقف مع مشهد جاشت له معاني الإنسانية ألما وحزنا حال رؤيتنا لطفلة من ذوات الإعاقة الحركية تبلغ من العمر 11 عاما تعاني من ضمور جزئي في الدماغ محبوسة في غرفة منزوية لا يجلسون ولا يأكلون معها بل يتركونها طوال الليالي ومدد الأيام وحيدة إعاقتها.. تسمع صرخاتها وبكاءها إلى المنازل المجاورة خاصة عندما تسمع أصوات أطفال الحي تتعالى بالضحك واللعب والمرح فيفتح والدها الباب عليها آمراٍ إياها أن تصمت إلا أنها تصرخ من كمد ما تعاني وألم ما تلاقي ليقوم بعد ذلك بضربها وإكماد صوتها بقطعة قماش ربطها به وهذا هو حالها منذ أكثر من خمسة أعوام تحت سقف تعفنت جدرانه وزواياه بظلم لا ذنب لها سوى إنه قدرها!
قسوة وجهل
أما أم حسن طاهر فهي أم لثلاثة متخلفين عقلياٍ تحكي عن معاناتها قائلة: للأسف أرى نفسي عاجزة تماماٍ عن تقديم العون لأبنائي خاصة بعد ما غسل والدهم يده من الموضوع فهو يعاملني وكأنني السبب في ذلك قائلاٍ: بأنني جلبت له عار الإعاقة لأبنائه الثلاثة وأنهم أيضاٍ هم السبب في جلبهم نظرة الاسترحام والنقص التي يلاقيها من الناس له ولهذا فهو فضل التعامل معهم وتحت مبرر الخوف عليهم من الخروج خارج المنزل أو الضياع يقوم بربطهم الثلاثة بسلسلة واحدة تارة في سطح المنزل وتارة أخرى بجانب الأسرة وحتى لا يتعاركوا فيما بينهم يقوم بتقييذ أيديهم وأرجلهم.
وأضافت : كلما حاولت منعه من ذلك يقوم بتهديدي بالطلاق فأرضخ للأمر الواقع من أجل أبنائي الذين لا أستطيع العيش بدونهم حتى إن والدهم رفض معالجتهم بحجة أن تكاليف ذلك باهظة ورفض حتى إلحاقهم بأي من الجهات المعنية بالأشخاص ذوي الإعاقة خوفاٍ من الفضيحة بين الناس كما يزعم.
مبعثة للألم
الكفيفة صابرين سالم تقول إنه من الصعب جداٍ أن ينظر إليك الناس على أنك عالَ أو عبء عليهم ليشعروك بعجزك وبإعاقتك وأن وجودك محدود ومحسوب باللحظات والدقائق والأيام كأثقال جبالُ على صدورهم فقد حْرمت من التعليم والخروج أو حتى الجلوس مع الناس إلا مع أقاربي لأنهم يشعرونني وكأنني حالة إنسانية خاصة مبعثة للحرج والألم حتى عرفت عن ذلك كله واخترت الوحدة لي ملاذاٍ وأقسم لكم بأن أسمى طموحاتي وأعظم آمالي هو الموت ولا شيء سواه فأي حاضرُ أحياه أو مستقبل سأنتظره في ظل هذا الواقع!
مضيفة : هي رسالة إلى كل أسرة ابنها أو أبنتها مصابة بأي نوع من أنواع الإعاقة إن هذا هو ابتلاء من الله لتنالوا التشريف وليست عقوبة لتصابوا بالذل والهوان زد على ذلك أن الإعاقة ليست جسدياٍ وإنما أخلاقي وفكري والواقع يثبت ذلك فلا ذنب لنا إلا بما كتبه القدر علينا.
نظرة المجتمع
ومن جانبها تقول أخصائية علم الاجتماع صفية الصبري: أن أبرز ما يؤثر في نفسية الشخص ذوي الإعاقة أولاٍ هو نظرة المجتمع له ماذا يقولون عني وكيف ينظرون لي وكيف يصبح شكلي ومركزي أمامهم فإذا كان هذا المحيط على قدر من الوعي والفكر في تعامله وتصرفه مع الشخص ذي الإعاقة فهذا من شأنه سيعكس طاقة إيجابية على نفسيته وراحة تزيد من ثقته بنفسه وتقوي من عزيمته وإرادته في مواجهة مختلف الصعوبات والعوائق المثبطة فالأشخاص ذوو الإعاقة بمختلف فئاتهم لم يختاروا هذا لأنفسهم بل هذا هو قدرهم والواجب أن نحتضنهم ونخفف من آلامهم وأحزانهم لنكون عوناٍ لهم في مجابهة مرارة الإعاقة وتحويلها من نقطة ضعف إلى بؤرة قوة وانطلاق وهذا ما يجدر بالأسرة فعله والقيام به قبل أي شخص آخر.
وتضيف الصبري : إن تعامل النقص أو الازدراء أو العنف والإقصاء مع الشخص ذي الإعاقة يولد شعور النبذ والرفض في نفسيته لواقعه وحاله ناقماٍ على كل من حوله ساخطاٍ على قدره بعد أيامه التي صارت في تقويمه المأساوي كالسنين ولهذا فأنا أدعو إلى إدماج شريحة الأشخاص ذوي الإعاقة في المؤسسات والجهات المعنية فهي الوسيلة المثلى لإعانتهم على إعاقتهم ليغدوا أفرادا منتجين قادرين على خدمة أنفسهم وخدمة مجتمعهم وأطالب بإنزال أشد العقوبات لكل من تصرفوا بوحشية أو عدوانية أو أي ممارسات لا إنسانية مع هذه الشريحة المهمة.
الصبر عند الابتلاء
وأما الداعية أحمد السنباني فهو يقول الصبر ثم الصبر يا أهل الأشخاص ذوي الإعاقة ولنذكر قوله تعالى ” إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ” وما أعطى أحد عطاء خير أوسع من الصبر, فلا تتذمروا بإعاقة أبنائكم ولا تعزفوا عن الاهتمام بهم ومداراتهم فهم أحوج ما يكونون إلى صدور آبائهم قبل اهتمام الجمعيات أو المؤسسات والدور المعنية , واعلموا أنكم بإحسانكم إليهم سيكون ذلك سببا بإذن الله لدخولكم الجنة أو سببا في رفع المصائب والمحن عنكم فطوبى لمن اتقى أمر الله فيهم وويل لمن لم يراع إنسانيتهم , فإذا كانت امرأة قد دخلت النار بقطة حبستها فما بالك بابن آدم إنسان تزجره وتمنعه وتحبسه وتعذبه !! . إنسان ضعيف ذو إعاقة تضاعف آلامه !
وأضاف السنباني: وأما أنتم أصحاب ذوي الإعاقة ثقوا بأنكم إن صبرتم واحتسبتم فمالكم جزاء إلا الجنة فإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فعظيم الجزاء مع عظيم البلاء فارضوا وابشروا برضا الله وجنة عرضها السماوات والأرض .