عبد العزيز حمود الجنداري –
نظمت منذ فترة ليست بالقصيرة العديد من الندوات وحلقات النقاش حول قضية الآثار والمتاحف اليمنية وماآلت إليه الأمور من اعتداء سافر على كثير من المواقع الأثرية اليمنية في أكثر من مكان في مختلف المحافظات حيث يقوم بعض ضعاف النفوس بعملية نبش عشوائي وحفر غير منظم في هذه المواقع مستخدمين في بعض الأماكن معدات ثقيلة بهدف استخراج القطع الأثرية ومحاولة بيعها داخل وخارج اليمن مسببين بذلك دماراٍ كبيراٍ لهذه المواقع وإفراغ محتوياتها والتي كثيراٍ ما تتعرض للكسر والتشوية نتيجة لعدم معرفة هؤلاء الناس بالطرق العلمية المتبعة في التنقيب الأثري من قبل البعثات الأثرية المتخصصة سواءٍ كانت محلية أو أجنبية مسببين بذلك طمس الكثير والكثير من المعلومات والحقائق التاريخية الهامة عن حضارة اليمن الضاربة جذورها في أعماق التاريخ مما سبب فجوات تاريخية عن حضارة وتاريخ اليمن القديم وتسلسل ملوكه.
وأيضاٍ واقع المتاحف اليمنية القائمة في بعض محافظات الجمهورية والتي بدورها تمر بأوضاع سيئة ومزرية نتيجة لعدم توفر أبسط مقومات العمل المتحفي سواءٍ فيما يتعلق بتنفيذ الأعمال المتحفية الاستراتيجية كالتوثيق والتسجيل والتصوير أو الترميم والصيانة للمجموعات الأثرية وحفظها وعرضها لجمهور الزوار من مختلف الجنسيات بالشكل الذي يبرز قيمتها التاريخية والأثرية بالإضافة إلى النفقات التشغيلية الضرورية وأعمال الصيانة والتحسينات الصغيرة والتي لا بد منها لأي متحف وإن توفرت فهي بشكل غير كافُ ولا تلبي طموح الإدارات الفاعلة والنشطة والتي تتمنى دفع عجلة التطور في متاحفها ومواكبة كل جديد في علم المتاحف.
وقد خرجت معظم الندوات سواءٍ كانت في قاعات للمحاضرات أو مؤسسات ثقافية حكومية أو غير حكومية وقنوات فضائية وصحف ومجلات مهتمة بتاريخ وحضارة اليمن بالعديد من التوصيات والتي يرى من حضروا وتبنوا هذه الندوات أنها ستساهم في تخفيف النزيف الذي تتعرض له المواقع الأثرية والحد من ظاهرة تهريب الآثار والدفع بعجلة التطور في المتاحف ولكن الأيام أثبتت أن هذه التوصيات لا تنفذ ولا يتم العمل بها وكل له أعذاره ومبرراته حتى ولو كانت لاتعبر عن الواقع الفعلي لبعض الجهات التي تعاني من الركود والفشل الإداري غير المعترف به وتستمر الوتيرة بنفس المنوال مع مزيد من التخريب والتهريب وبالتالي طمس المزيد من تاريخ اليمن وحضارته.
ويتساءل الكثير على استحياء عن عدم تغيير واقع الحال والذي قد يكون مرتبطاٍ بظروف معينة لايعرفونها ويعتقدون أن هذا الواقع ربما كان سبباٍ لاستفادة بعض الناس من هذه الظروف رغم فشلهم وعدم قدرتهم على التعاطي مع هذا الموضوع بالصورة المطلوبة والمرجوة.
بالرغم من المحاولات المستميتة والناجحة لبعض المدراء في هذه الجهات وفروعها والتي لمس كل متابع ومهتم لهذا الأمر وبرغم عدم توفر الإمكانات المناسبة والدعم المعنوي لهم ممن يفترض بهم تشجيع ودعم وتكريم كل نشط وناجح فأي نجاح في أي فرع أو متحف هو نجاح للجميع من جهات وقيادات بغض النظر عن المشاعر الشخصية مع أو ضد هذا المدير والتي لايجب أن تكون سبباٍ لمحاولة افشال أي مشاريع ناجحة يحاول القيام بها أو حجب أي مخصصات للمشاريع الاستراتيجية وغيرها لإدارته عن طريق البحث عن مبررات وثغرات قبل وبعد تنفيذ أي مشروع حيوي وناجح من خلال اصطياد بعض الأخطاء غير المقصودة والتي فرضتها ظروف العمل وآلية تنفيذ المشاريع والتي تتطلب على سبيل المثال توفير مواد أكثر أو أقل مما ورد في بنود الخطة حيث تظهر أشياء دوماٍ عند التنفيذ الفعلي لهذه المشاريع الاستراتيجية أو توفر متطلبات ضرورية من نفقات التشغيل يرى الفاحصون والمراجعون انها تجاوزت البند المخصص وفرضتها ظروف العمل خصوصاٍ عند حدوث سوء تفاهم بين المدير المعني والبعض في الديوان بسبب محاولة المدير الالتزام بتنفيذ الخطة وبرنامج العمل والتي ربما لاتتفق مع متطلبات البعض هناك والتي ستؤثر سلباٍ على أداء المهام بالصورة المطلوبة وبحسب الخطة المقدمة وبالتالي ربما يجد هذا المدير نفسه في مأزق عند اخلائه للعهدة بعد انتهاء العمل نتيجة لبراعة البعض في الديوان في كتابة الملاحظات حول العمل والتنفيذ والبحث عن أن ثغرات ربما تكون قانونية لم يتم التنبة لها أثناء تنفيذ المشاريع أو توفر متطلبات العمل أو فرضتها ظروف العمل والحاجة اليها للتنفيذ ربما يجعله عرضة للضغوط فبدلاٍ من أن يجد الشكر والتقدير والدعم والتكريم لنجاحه في تنفيذ المشاريع بصورة ممتازة خصوصاٍ الأعمال الفنية الرقيقة والتي تحتاج إلى خبرات كبيرة جداٍ ويتم تنفيذها بصورة عظيمة أشاد بها الكثير من الخبراء المحليين والأجانب يجد نفسه في دوامة.
الأمل كبير في قيادة الهيئة الجديدة بإصلاح الاختلالات ووضع آلية لصرف وإخلاء العهد بالشكل المطلوب الذي يخدم العمل الاثري والمتحضي لذا نكرر دائماٍ بضرورة الاستفادة من تجارب الآخرين في مجال العمل الأثري والمتحفي والذي يحظى باهتمام الكثير في معظم الدول والتي تمتلك رصيداٍ حضارياٍ موغلاٍ في القدم والتي حرصت على حماية مواقعها الأثرية في طول وعرض البلاد وأيضاٍ المتاحف المتنوعة في المدن المختلفة مهما تطلب من ميزانيات وخطط وبرامج والاهتمام بالكادر البشري وتدريبه وتأهيله داخلياٍ وخارجياٍ ليقوم بتنفيذ المهام المطلوبة منه على أكمل وجه مع الاهتمام بوضعه المعيشي والذي يمكنه من التفرغ للعمل في مجاله دون التفكير بهم المعيشة أو البحث عن وسائل أخرى لتحسين دخله واشباع أسرته وأولاده وفي المقابل يتم محاسبة أي مقصر في عمله سواءٍ كان من القيادات أو الموظفين على مختلف درجاتهم فنظرة إلى حادثة سرقة لوحة زهرة الخشاش في متحف محمود خليل بالقاهرة والتي حدثت مؤخراٍ قامت الدنيا ولم تقعد وتم توقيف مجموعة من الموظفين وعلى رأسهم وكيل وزارة الثقافة واحالتهم إلى المحاكمة وتم الحكم عليهم في رسالة واضحة للجميع إن حماية وصون تاريخ وحضارة البلد سواءٍ كان منقولاٍ في المتاحف أو ثابتاٍ في المواقع مسئولية ومهمة وطنية كونها لاتقل عن الدفاع عن البلد أهمية وفي سبيل تحقيقها يتم اتخاذ أنيخطوات مطلوبة بمافيها محاسبة وإقالة المسئولين مهما بلغت درجاتهم الوظيفية.
إذاٍ ماهي الجدوى من مثل هذه الندوات وحلقات النقاش والتي تقام بين حين وآخر من قبل الكثير من المهتمين والذين يحاولون إيجاد حلول لوقف النزيف المستمر لتاريخنا وحضارتنا أمام أعينهم وأعين كل محب لتاريخ وحضارة اليمن.
ومنبع تساؤلي هو اني دعيت إلى كثير من الندوات ومنها ندوة عن واقع الآثار والمتاحف من قبل مؤسسة الجمهورية للصحافة والإعلام قبل فترة في ديوان هيئة الآثار والمتاحف ولم تتم هذه الندوة نتيجة لغياب الحكمة اليمانية قبيل بدئها بدقائق وجميع الأطراف تحاول تبرير موقفها حول هذا الموضوع فمن معترض على عدد الحضور وبعض اسماء الشخصيات المشاركة إلى محتج لعدم السماح لهؤلاء الشخصيات بالمشاركة وهذا ليس المهم فالمطلوب تجاوز التراشق بالكلمات حول نهب وتخريب وتهريب آثارنا وحضارتنا والمستمر نزيفه حتى اليوم إلى البدء في إيجاد حلول شافية لهذا الوضع غير المعقول والذي في حالة استمراره سيجد أبناؤنا وأحفادنا اختفاء وطمس الكثير من المواقع والمعالم الأثرية والآثار المنقولة وسيقرؤون عنها فقط في كتبهم المدرسية أو كتب وموسوعات علماء التاريخ والآثار اليمنيين والأجانب والذين تمكنوا في العمل يوماٍ ما من الحفر والتنقيب والتسجيل والتوثيق وصورها للباحثين وطلاب العلم وكل مهتم بالتاريخ والحضارة اليمنية من بعدهم والأمل عاد لجميع منتسبي الهيئة وفروعها بعودة العمل الأثري والمتحفي بعد تعيين رئيس جديد للهيئة من أبنائها الشباب .
Next Post
قد يعجبك ايضا