26 سبتمبر هي الفعل التاريخي الكبير الذي اجترحه الإنسان اليمني

كان مثقفاٍ من الطراز الرفيع جداٍ وكان اقتصادياٍ كذلك الحديث هنا عن شخص الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني الرجل الذي افتقده الوطن وفقدناه إلى الأبد في جريمة تفجير مسجد دار الرئاسة مع عدد من قياد الدولة في أول جمعة من رجب عام 2011م.
لم يسبق وأن مرت اليمن في عهد وزارته بأزمات كالتي تمر بها اليوم كان اقتصادياٍ من الدرجة الأولى وكان قارئاٍ بامتياز لهذا كان يجد الحلول لكل المشاكل التي تستعصي على الحل.
هذا هو عبدالعزيز عبدالغني الذي لم يكن مجرد سياسي ورجل اقتصاد بل كان أيضا مؤرخاٍ للثورة اليمنية وأن لم يسعفه الدهر لتوثيق ما كانت تختزنه ذاكرته حول الثورة.
استشهد الرجل ووثقت حينها “الثورة” للجريمة التي طالت هذه الشخصية المؤثرة في تاريخ اليمنيين التي خسر بغيابها الوطن الكثير.
تبوأ الرجل عديد المناصب منها وزيراٍ للاقتصاد ومحافظ البنك المركزي ورئيس مجلس الوزراء وعضو في مجلس الرئاسة وأخيراٍ رئيس مجلس الشورى وما بين هذه المناصب تقلد العديد من المناصب الأخرى وفي مجموع ما  تسلمه من مناصب ومسؤوليات استطاع الرجل أن يخلف الأثر الطيب الذي يشير إليه بايجابية ويتحدث بجلاء عن تاريخ هذه القامة الوطنية السامقة قبيل فترة طويلة من استشهاده.
“الثورة” كانت التقت بالشهيد الاستاذ عبدالعزيز عبدالغني وأجرت معه حواراٍ مطولاٍ تناول في تضاعيفه هموم الوطن والمواطن وما بين ثنايا ذلك الشيء الكثير عن ما يتعلق بثورة الـ26 من سبتمبر 1962م حيث نشر هذا الحوار بتاريخ 2008/9/26م.
ولأهمية ما ورد في الحوار “الثورة” وبمناسبة احتفالات بلادنا بالعيد الوطني نعيد نشر أهم ما ورد فيه  في الذكرى الـ 53 لثورة 26 سبتمبر 1962م.

* ماهي من نظركم أهم التحولات التي حققها الوطن اليمني في ظل ثورته الخالدة¿
 الحقيقة أن الثورة اليمنية الخالدة 26 سبتمبر و14 أكتوبر هي الفعل التاريخي الانقاذي الكبير الذي اجترحه شعبنا اليمني وطليعته المناضلة واستطاع من خلاله أن يبلغ بفضله حياة القرن العشرين باشراقاته وتطوراته وتحولاته في ستينيات ذلك القرن متأخراٍ عن بقية شعوب العالم ستة عقود.
وبعد أن لبث في ظلمات التاريخ لعدة عقود يعاني من النظام الملكي وفي  ظل مشيخات وسلطنات ودول ممزقة سادت جزءاٍ غالياٍ من التراب الوطني يهيمن عليها الاستعمار البريطاني البغيض مدة قرن ونصف قرن.
الثورة اليمنية الخالدة هي الحدث الذي أعاد الاعتبار لأعرق حضارة عربية في جزيرة العرب وصحح الوضع المختل الذي عانى منه وطن ما افتقد يوماٍ لمقومات جعلته دائماٍ رائداٍ بين الأوطان والشعوب.
الثورة اليمنية هي الفعل الأكثر تأثيراٍ في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر لأنها أطلقت الأمل لهذا الشعب لكي يستعيد أمجاده التليدة فكانت فاتحة تحول استراتيجي هام حيث أمكن لشعبنا أن يطوي بهذه الثورة المباركة ماضياٍ من التشرذم فأنجز استحقاقاته العظيمة ممثلة في الاستقلال والوحدة والديمقراطية والتنمية الشاملة.
إن الثورة اليمنية بهذا البعد التأسيسي الشامل هي الإطار الحاضن لكل التحولات والانجازات التي تحققت لليمنيين منذ العام 1962م وحتى اليوم بحيث يصعب على المرء إجراء مقارنة بين زمنين زمن الثورة وماضي ما قبل الثورة لأنه لا توجد على الأرض وقائع تدعم هذا النوع من المقارنات لأن زمن الثورة استأثر بكل التحولات والانجازات.
محطات حاسمة
* عاصرتم مسيرة الثورة بكل محطاتها هل لنا أن نتعرف من  خلالكم على المحطات الحاسمة¿
– في الواقع زمن الثورة منذ العام 1962م شهد محطات حاسمة بعضها شكل اختياراٍ صعباٍ للوطن وبعضها الآخر شكل فتحاٍ مجيداٍ آخر عزز منطق الثورة وترجم أهم أهدافها وبلغ أقصى حلم كان يتوق إليه اليمانيون.
مسيرة الثورة شهدت محطة السبعين يوماٍ التي شكلت أحد أهم الاختيارات الصعبة التي واجهها اليمن عبر مسيرته حيث تكالبت القوى الملكية وكادت أن تطبق على صنعاء ولولا إرادة المقاومة التي عبر عنها الشعب اليمني وجيشه الباسل واستطاع من خلالها أن يصنع ملحمة نضالية أخرى أجهزت على القوى الملكية وطاردت الفلول المنهزمة وألقت بها خارج التاريخ.
هناك محطات صعبة أخرى ارتبطت باستحقاق الوحدة اليمنية وتمثلت في المواجهات المسلحة التي كانت تنشأ بين فترة وأخرى بين الشطرين على خلفية فهم كل طرف للكيفية التي ينبغي أن ينجز بها حلم الوحدة.
وكان آخر تلك المحطات الصعبة هي حرب صيف 1994م حيث أراد البعض أن يعيد عجلة التاريخ للوراء وأن ينهي حلم الوحدة اليمنية المباركة ولكن النصر كان حليف اليمن وشعبه المخلص الوفي لمبادئه.
لكن هناك محطات رائعة في مسيرة الثورة اليمنية هذه المحطات شكلت في الواقع تأصيلا لمفهوم الثورة وجسدت مبادئها وترجمت أهدافها وعبرت عن تطلعات الشعب اليمني منها محطة 30 نوفمبر 1989م التي تم فيها التوقيع على اتفاقية الوحدة والتي شهدت الإعلان عن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة حيث تحقق بالوحدة التحول الاستراتيجي الأبرز في تاريخ اليمن المعاصر بالنظر إلى ما أحدثته من تغيير جذري في بنية الدولة اليمنية وفي جوهر نظامها السياسي ليتحقق بفضلها إنجاز رائد تمثل في تأسيس النظام الديمقراطي التعددي الذي أسس لعهد جديد ومتميز من تاريخ اليمن المعاصر قوامه الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة وتوثيق الشراكة مع المجتمع المدني وتمكين المرأة وإطلاق العنان لأهم وأوسع تنمية شاملة.
تنوير الشباب
* الجيل الجديد من الشباب الذين ترعرعوا في كنف الثورة لا شك أنهم يجهلون الكثير عن الواقع الذي كانت تعيشه اليمن قبل انتصار الثورة كيف يمكن اختزال هذه الصورة¿ وما هو دور  الآباء في ذلك¿
– جيل الشباب لا يشعر بوطأة العهد الماضي الذي ساد قبل قيام الثورة هذا صحيح لأنه لم يعش تلك المحطات الصعبة لكنه يدرك الفرق بين الواقع الذي يعيشه اليمن في زمن الثورة وذلك الذي كان يعيشه قبلها لقد عرف ذلك من خلال مناهج التعليم ومن خلال الحكايات التي ترويها الأجيال السابقة عن سلبيات ذلك العهد.
وما أود التأكيد عليه هنا أن جيل الشباب بحاجة إلى أن نضعه في صورة ذلك الماضي وهذا في تقديري ينبغي أن يتم في إطار رؤية ينبغي أن تتبناها مختلف الجهات الرسمية والمجتمعية بحيث يتم توظيف كل منابر ووسائل ووسائط التأثير المعرفية والاتصالية لتكريس صورة الماضي في وعي الأجيال الجديدة حتى يتحقق الاتصال النقدي لهذا الوعي بالماضي ولكي تظل معاناة الماضي عبرة ينبغي إلا تنسى خصوصاٍ في ظل بروز النزاعات المريضة التي تريد أن تعيد اليمن إلى ذلك العهد.
واحدية الثورة اليمنية
* البعض يشكك في مسألة الترابط الجذري وواحدية النضال الوطني الذي تمخض عن الولادة الحقيقية للثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر فمن أين ينطلق هؤلاء¿
– إن واحدة الثورة اليمنية مبدأ لا ينكره إلا جاحد وإلا كيف تفسر الالتحام الشعبي الكبير الذي أنجزه اليمنييون من مختلف المناطق في معركة الدفاع عن الثورة اليمنية وفي تحقيق الاستقلال.
الوحدة اليمنية تحققت لأنها كانت هي الحلم الذي ألهم الأجيال اليمنية المتلاحقة إلى تحقيق ذلك الالتحاق النادر في معارك الدفاع عن الثورة وظلت كذلك استحقاقاٍ هيمن على توجهات السلطتين اللتين حكمتا شطري الوطن حتى يوم 22 مايو 1990م.
البعض ممن يشككون في واحدية النضال والثورة يعبرون عن حالة يأس غير مقبولة أنهم في هذا النمط من التفكير يضعون على النقيض من فسحة الحياة والحرية التي يعيشها اليمن من أقصاه إلى أقصاه في ظل وحدته المباركة ونظامه الديمقراطي.
أنهم أنما يعبرون عن نمط منعزل من التفكير وتورطوا  في مؤامرة تسيرها أيد خارجية هدفها ضرب مسيرة الديمقراطية والتحديث والتنمية التي ستشهدها اليمن في هذه المرحلة المشرقة من تاريخه.
الالتزام بالدستور
* في حمى الزخم التنافسي هناك من يسعى إلى خلط الأوراق بصورة تسيء للوحدة الوطنية ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الأحزاب والمنظمات الجماهرية في مواجهة هذا النزوع غير المنضبط¿
– نعم هناك من يسعى إلى خلط الأوراق وإلى العمل على النقيض مما تستوجبه قواعد الحياة السياسية المستندة إلى الدستور والقانون لأن تحقيق المكاسب السياسية من خارج النظام والقانون يقود إلى أفعال غير قانونية وهذا هو المأخذ الأبرز الذي أخذ على أحزاب اللقاء المشترك.
فهذه الأحزاب للأسف ألحقت إساءة بالغة بالوحدة الوطنية إذ أنها تبنت وأذكت التوجهات والتحركات التي استهدف بها البعض الثوابت الوطنية وفي مقدمتها الوحدة الوطنية والنظام الجمهوري.
ولهذا من الأهمية أن تلتزم الأحزاب بالدستور باعتباره العقد الاجتماعي الذي يحدد قواعد العمل السياسي من قبل الأحزاب والأفراد ويحدد المسؤوليات والواجبات.

قد يعجبك ايضا