تطل علينا الذكرى الـ 53 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة التي مثلت شمعة مضيئة وقبساٍ من نور أضاء للسواد الاعظم من اليمنيين الطريق نحو افاق المستقبل وبناء الانسان بعد أن تخلص من النظام الملكي ومع اشراقة اليوم الأول لثورة الـ 26 من سبتمبر 1962 المجيدة الذي خاض فيه اليمنيون بكل اتجاهاتهم وأطيافهم السياسية وفي طليعتهم الثوار الاحرار بإيمان صادق وثقة كبيرة وعزيمة نادرة مثلت صوت وقلب الشعب النابض بالحياة والمفعم بالحرية والرافض للطغيان والاستبداد معركة الصمود والشرف ضد النظام الملكي لتفرق شرارة الثورة التي تنادي بالحرية.
53 عاماٍ من ثورة سبتمبر الخالدة التي مثلت بأهدافها الانسانية النبيلة قمة ” السمو ” والحرية والعلم والبناء والثقافة بعد أن ظل الشعب اليمني يرزح تحت جور ووطأة التسلط والحرمان .. وفي سبيل تلك الثورة المباركة اندفع إليها الاباء والاجداد من كل حدب وصوب وجادوا بدمائهم التي روت بها تربة الـ 26 من سبتمبر وتخضبت بها الارض الطاهرة في عرس الحرية التي قدم لأجلها الآلاف الشهداء وقدموا أرواحهم وأموالهم فداء ودفاعاٍ عن الثورة والجمهورية وحماية للقرار السياسي والسيادي من أجل الوصول الى اليمن الجديد ودولته المدنية الحديثة التي تحققت فيها الكثير من المنجزات العظيمة التي لا ينكرها الا جاحد أو جهل أو حاقد .
وفي ظل هذه المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية والاخطار المحدقة بالشعب والوطن اليمني وسقوط العديد من الانظمة وعواصف وزلازل الربيع اليمني نتيجة لانحراف القوى العابثة والمتسلطة والالتفاف على مبادى واهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر والانتهاء بالسلطة والتسلط والملذات والصراع على السلطة دخل اليمن في أتون الصراعات السياسية الدولية التي حاولت الالتواء على عجلة التغيير الحقيقية المكملة والمصححة لثورة سبتمبر المجيدة في محاولة لجر اليمن الى حرب أهلية ومن ثم التهيئة للعدوان السعودأمريكي والعربي وعلى اليمن الا أن اليمن بفضل الله تعالى والشرفاء من أبنائه صمد في وجه العدوان والطغيان وافشل المشاريع الصغيرة ليكمل عجلة التغيير الحقيقية للولوج نحو افاق الدولة المدنية الحديثة .
.. ورغم عجلة البناء والتنمية والمشاريع التي تحققت في معظم المدن اليمنية من البنى التحتية المتمثلة في شبكة الطرق والمواصلات والمياه والكهرباء والاتصالات وغيرها من المنجزات التي وصل خيرها الى الكثير من المديريات والقرى ولمس خدمات الدولة المواطن المتزن والمنصف .
الا أن المواطن اليمني مازال يأمل في أحداث التغيير الايجابي المنشود بكل صدق في الخروج من النفق المظلم ولابتزاز السياسي والافراط في التبعية التي ألقت بظلالها المأساوية في محاولة لتجزئة وتفتيت الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي والوحدة اليمنية وتدمير ما تبقى من هيبة الدولة عبر سلسلة من الاخطاء والتجاوزات مما أدى شبه انهيار للدولة وتطاول دول العدوان الطامعة بقيادة السعودية في محاولة أنها ما تبقى من هيبة وسمعة ومقدرات الدولة اليمنية التي تمثل الاساس المتين والوتد الاصيل للشعب اليمني وسيادته.
ولذلك فإن الحديث عن ثورة 26 سبتمبر هو بمثابة نبض حياه بالنسبة للشعب اليمني وعلى الجميع أن يتذكر دماء الشهداء التي أعقبت الثورة والمحطات المأساوية والسلبية التي اعترتها حتى اللحظة والصمود العجيب التي استطاعت قوات الجيش اليمني بسواعد ابنائها تثبيت مداميك النظام الجمهوري وثورته السبتمبرية رغم العواصف .
التحولات الديمقراطية فريدة
التطلع الى مناخات الحرية واتباع النهج الديمقراطي كان حاضراٍ منذ ولادة ثورة سبتمبر المجيدة ولولا الايمان والارادة بذلك النهج القويم لتعثرت الثورة ولذلك دأب اليمنيون منذ ثورتهم الى التدرج في المجال الديمقراطي وأصبحت التيارات السياسية تمارس أنشطتها في الضوء بدلا من الكواليس بعد التحولات الفريدة والانفتاح على الاطر الديمقراطية في فترة الثمانينيات والفترات التي أعقبتها وسجل اليمنيون في ذاكرتهم التحول الكبير عام 1991م نحو تجسيد الديمقراطية حيث شهدت تلك السنة إقرار المواطنين لدستور دولة الوحدة عبر استفتاء شعبي عام وهو ما اعتبروه في حد ذاته أول إنجاز سياسي عقب قيام الوحدة عام 1990م.
وقد تضمنت بنود الدستور الجديد لكافة المواطنين حرية الرأي والمساواة أمام القانون والعمل بمبدأ التعددية السياسية بما في ذلك الحق في إنشاء التنظيمات المهنية والنقابية والسياسية وفق ما أقره قانون الأحزاب السياسية والذي بمقتضاه تشكل في اليمن أكثر من 22 حزبا سياسيا وكما نص أيضا على مبدأ الاحتكام إلى صندوق الانتخابات بغرض التداول السلمي للسلطة.
وتواصلاٍ لإرساء وتثبيت المبدأ الديمقراطي مرت اليمن بأربع تجارب انتخابية بدأت أولها في أبريل/ نيسان 1993 لاختيار مجلس نواب منتخب على أساس حزبي متعدد لأول مرة في البلاد والتي كانت أكثر حساسية نظراٍ لرفض الحزب الاشتراكي لنتيجة الانتخابات البرلمانية وقد تخلل تلك الفترة تجربة واحدة للتنافس على مقعد الرئاسة في الانتخابات التي جرت عام 1999الأولى بعد الازمة السياسية الحرجة التي واكبتها مرحلة الانفصال ومع ذلك تم الاستمرار في العملية الديمقراطية في يوليو 1994 وحافظت البلاد على وحدتها وفي 23 سبتمبر/ أيلول 1999 حيث جرت في اليمن أول انتخابات رئاسية مباشرة تقدم للترشيح فيها 24 مواطنا بعضهم من الأحزاب السياسية المختلفة والبعض الآخر من المستقلين وما أعقبها من انتخابات عام 2001م حيث جرت انتخابات محلية واستفتاء على تعديلات دستورية ومن ثم تم الولوج الى انتخابات عام 2006م والتي مثلت مفترق طريق بين السلطة والمعارضة وجسده المبدأ الديمقراطي أكثر من خلال الخلاف والاختلاف ومسيرة سنوات من العطاء والعمل الديمقراطي على الساحة اليمنية واصفين هذا التحول الذي بدأت ملامحه في التشكل منذ عام 1993 وصولا لإجراء أول انتخابات رئاسية عام 1999 بأنه البداية الحقيقية لميلاد التطور الديمقراطي في الجزيرة العربية في تاريخها الحديث .
التحولات الاقتصادية والتنموية
شهدت ثورة سبتمبر والنظام الجمهوري في اليمن تحولات كبيرة في الجانب الاقتصادي وقفزات عالية في البنى التحتية وميادين التنمية في كافة مجالات الحياة نتيجة للعمل الدؤوب والادراك بمدى تنمية الجانب الاقتصادي والتنموي اهتمت قطاع الدولة بقطاعات التجارة والاقتصادية والزراعة والصناعة وسعت دمج الاقتصاد اليمني بالاقتصاد العالمي عبر خطوات اصلاح نظام الصرف الاجنبي بغية تحرير المبادلات والمدفوعات الخارجية واصلاحات جمركية كإلغاء شرط الحصول على رخص استيراد السلع من الخارج وإعادة هيكلة التعرفة الجمركية وإدخال النظام الآلي والإداري والجمركي (نظام الاسكودا) وتطبيق نظام او نظام إعادة الرسوم الجمركية وتطوير نظام الادخال المؤقت وإجراء تعديلات في التشريعات الجمركية وواكب ذلك التطور الاهتمام بالتنمية المستدامة لصيانة توازن النظام الايكولوجي وتكامل العوامل البيئية المختلفة بحيث يكون هناك توازن بين نمو السكان وقاعدة الموارد المتاحة باعتبار أن نمو السكان غير المدروس يزيد عن الطلب على السلع والخدمات وذلك يؤدي الى زيادة في الاضرار البيئية ولذلك تم العمل بالسياسات الواجب اتباعها للحفاظ على البيئة وتحقيق هدف التنمية المستدامة في اليمن .
كما رافق ذلك التحول ارتفاع في معدلات الاستثمار نظراٍ لتميز اليمن بالعديد من الموقع الجغرافية وتنوع فرص ومجالات الاستثمار وكذلك التسهيلات المقدمة للمستثمرين التي يضمنها قانون الاستثمار اضافة الى حجم السوق الاستهلاكي وتوافر العمالة ذات الاجور المنخفضة وقطاعات اقتصادية واعدة للاستثمار المتمثلة في السياحة والصناعة الاستخراجية والصناعات التحويلية والثروة السمكية رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها التنمية من اشكالية الموارد المائية والبيئية ضعف جاذبية البيئة الاستثمارية ضعف تنمية الموارد البشرية والسكانية وتحديات العولمة كما ان ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة اولت الكثير من المشاريع اهمية قصوى عندما كانت مناخات الامن والاستقرار أكثر حضوراٍ وسعت الى العمل على تعزيز النمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل والتخفيف من الفقر ومعالجة اسبابه وتوسيع مسار الاصلاح الشامل وتطوير الشراكة مع القطاع الخاص والشراكة مع منظمات المجتمع المدني والسلطة المحلية تعزيز دور السلطة المحلية وتحقيق التنمية الريفية تعزيز الحماية الاجتماعية وتوسيع شبكة الامان الاجتماعي وخلق حالة الاندماج مع دول العالم.
كما حققت ثورة 26 سبتمبر العديد من المنجزات وشهد الوطن توسعاٍ في مجال الخدمات والبنى التحتية والعمرانية والتوسع في شبكة المواصلات والكهرباء والمياه والاتصالات والتعليم والصحة والمؤسسات الحكومية والسمكية والزراعية والنفطية والغازية والمعادن الثمينة الاخرى و” أن لم تكن بمستوى الطموح ” بالإضافة الى العديد من المشاريع التي ساهم فيها العديد من المغتربين ورجال المال والاعمال التي وفرت بعض فرص العمل ورفعت من ميزانية البلد كل ذلك شاهد حي على بعض انجازات ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة .
الجيش والأمن صمام أمان
كما سارع الرعيل الاول من قيادات وضباط الثورة الى تأسيس المؤسسة العسكرية على احدث النظم والتقاليد وتكوين وبناء جيش وطني قوي صمام امان لحماية البلاد والوطن وتم تدريبة وتجهيزه بأحدث الأساليب وتزويده بالأسلحة الحديثة .
وبنفس السياق والزخم تم إنشاء وتجهيز وتدريب وزارة الداخلية بموجب القرار الجمهوري بالقانون رقم «24» لسنة 1963وتنظيم اختصاصها على اسس وطنية حديثة بالاستفادة من خبرات وزارة الداخلية بجمهورية مصر العربية وتم في عام 1968م اصدار قانون رقم 6 بشأن هيئة الشرطة الذي تضمنه واجبات الشرطة وعالج كافة جوانب شؤون الخدمة بالجهاز الشرطوي وكانت قد صدرت عدة قرارات وقوانين وزارية لتطوير وتنظيم اجهزة وزارة الداخلية وفروعها في مختلف المحافظات وانشاء مدارس للشرطة والقرار الوزاري رقم «4» لنفس العام بتشكيل مجلس كلية الشرطة واشتركت قوات الشرطة في الكثير من المهام القتالية الى جانب القوات المسلحة في خوض المعارك القتالية في كثير من الجبهات دفاعاٍ عن الثورة والجمهورية وما إن ثبت النظام الجمهوري حتى تم الارتقاء بأداء الاجهزة الامنية التي حظيت فيها الاجهزة الامنية والشرطوية باهتمام كبير ومنها الدفاع المدني والمرور والجوازات والنجدة وغيرها بالإضافة الى اعتماد العديد من جوان التدريب والمهارات واستطاعت وزارة الداخلية تحقيق نجاحات متميزة في مختلف مجالات وجوانب البناء النوعي الحديث للأجهزة الامنية وفي نفس التحديث اعتمدت وزارة الداخلية في المجال الامني الاستراتيجية الأمنية التي أقرها مجلس الوزراء عام 1995م لتواكب بذلك التحولات الاقتصادية والاجتماعية وتهدف من خلالها إلى انتشار الشرطة وخدماتها لتشمل جميع مناطق ومديريات الوطن لتحقيق الأمن والاستقرار في ربوع اليمن.
مكافحة الإرهاب
وفي مجال مكافحة الأعمال الإرهابية والجريمة فقد تم انشاء الوحدة الخاصة في الأمن المركزي ” القوات الخاصة ” حالياٍ وبفضل الاختيار الجيد والإعداد والتدريب المتميز للكادر المؤهل تمكنت القوات من احباط وافشال العديد من العمليات الارهابية المضرة بأمن الدولة مما ساعد على المزيد من الامن والاستقرار .
ثورة الشباب استمرار لتقويم مسار ثورة سبتمبر وتحقيق أهدافها
وما إن التهت بعض مراكز القوى العابثة بالسلطة والثروة والتبعية وتناست مبادئ واهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة التي صعدوا على قطارها بعد أن قدم الشعب اليمني قوافل الشهداء وتوقفت عجلة البناء والتعمير وتدنى التعليم والتربية واختلت العدالة والقيم وظهرت العديد من مواطن الفساد الاداري والمالي والاخلاقي والانهيار الاقتصادي وانخفاض معدلات التنمية وانتشار الفقر والبطالة وشظف العيش والفوضى السياسية والالتفاف على أهداف ومبادى ثورة سبتمبر والشحن المتواصل من كافة الاطراف وفي طليعتها أصحاب المشاريع الصغيرة التي جلبت للوطن الخراب والدمار .. خرج اليمنيون الى مختلف المدن والساحات في الحادي عشر من فبراير 2011م بإرادة صلبة لتغيير الاوضاع ووقف نزيف فوضى القوى العابثة في محاولة جادة لتقويم واصلاح واستعادة مسار ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة لاستعادة جمهوريتهم ووحدتهم وديمقراطيتهم وحريتهم ووقف منابع الفساد والافساد والبحث عن لقمة العيش في ” ملحمة شعبية سلمية” سطروا فيها اروع الامثلة .
وما إن بدأت ثمار التغيير تلوح في الافق لبناء ” اليمن الجديد ” وتجسدها حوارات القوى السياسية وتقاربها بعد نزيف الدم واشتعال الحراق وقطع الطرقات وافتعال الازمات وارعاب المجتمع من تجار الحروب وعبدة السلطة وبعض الدول الاقليمية والدولية حتى تقاذفتها أعاصير وارهاصات الكثير من تجار الحروب لإفراغ ثورة 11 فبراير عن هدفها السامي الذين يرون في خروج اليمن من النفق المظلم بداية للأمن والاستقرار والاستقلال الحقيقي مما استدعى الى إفشال ثورة التغيير وايقاف عجلتها الوطنية الصادقة وتغذية كافة الاطراف بالصراعات والكراهية والدعايات والفتن والفرقة والتشكيك لضرب الاتفاق النهائي الذي كاد أن يوشك على الانتصار للوطن والولوج إلى الدولة المدنية الحديثة وافتعال صراع الإخوة الاعداء واستثماره ومن ثم شن عدوان وحشي وبكل غرور وفجور بقيادة السعودية على اليمن لتدمير مقدرات اليمن وعمل ابادة جماعية وتشريد الالاف أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي نتيجة لتفرق أبناء ” سبأ ” وابتداع حجج واهية اضعف من بيوت العنكبوت في محاولة لإرباك المشهد اليمني ومحاولة اعادة قوى الظلام تحت مسميات جمهورية وملكية ورغم ذلك الجنون والقتل والابادة مازال وسيظل الشعب اليمني يتصدى لآلة الدمار والعدوان السعودية والامريكية والاماراتية والقطرية وغيرها بعد أن عِلمِ علúمِ اليقين أطماع وبشاعة ذوي القربى وأن عجلة التغيير مستمرة وتواصل مهمتها الشاقة في استكمال ثورة الـ 26 من سبتمبر المجيدة بسواعد ابنائها وبكافة اتجاهاتهم السياسية.