الاحتفال بالأعياد الوطنية لها مذاق ونكهة خاصة لدى الشعوب وفي قلوب عامة الناس التي كافحت من أجل الحرية والعيش الكريم º ويكون وقع الانتماء والاحتفال لعيد اثر في حياة المجتمع وغير من واقعهم المعاش º لاشك سيكون مختلفاٍ بتفاعل كل فئات الشعب مع قدوم هذا العيد الوطني .
في اليمن الاحتفال بالعيد الوطني لثورة 26 سبتمبر 1962م له مذاق مختلف تماما فهذا العيد ـ الذي نحتفل به هذه الأيام على مرور 53 عاما من عمر الثورة المباركة ـ جاء في ظل كفاح لاستبداد الداخل ومؤامرات الخارج لأن عيد ثورة سبتمبر المجيد بزغ أشعة مارد الثورة وسط ومحيط أنظمة ملكية وأميرية ومشيخية مستبدة ورجعية لا ترغب بأن يكون في محيط دولهم ومملكاتهم نظام جمهوري تعددي وديمقراطي أيضاٍ .. لهذا الشعب اليمني هو الشعب الوحيد في منطقة شبه الجزيرة العربية يحكمه نظام جمهوري ثوري يحكم الشعب نفسه بنفسه دون أي تسلط لأي ملك أو أسرة حاكمة إلى الأبد .. لهذا الشعب اليمني عندما يحتفل بقدوم هذا العيد الوطني العظيم كل عام ترتسم الفرحة والتبجيل على محياهم º وكأنه عيد أو مناسبة دينية وليس عيدا وطنيا º ونتيجة لموقع اليمن الجغرافي والسياسي بين أنظمة رجعية مستبدة فإن المحصلة حرب شعواء ضد هذا البلد والشعب ونظامه واعتبرها البلد بلدا معاديا ويحارب ولو بشكل سري أو علني º وما تشهده اليمن هذه الأيام من حرب تدمير وتخريب وقتل للشعب اليمني لخير دليل وشاهد حي على ذلك .
لم ولن تكون هذه الحرب الأخيرة بل هي امتداد لحروب وعراقيل وإعاقات وموانع متوالية منذ قيام الجمهورية اليمنية في أيلول/ سبتمبر 1962م º وإفشال كل الثورات والمحاولات التي قام بها الثوار في 1948 و1952م وصولا للإطاحة بالنظام الملكي نجاح الثورة في 62م .. كانت الثورة اليمنية هي في طبيعة الحال امتداداٍ للثورة المصرية والحركة القومية التي كانت في تلك المرحلة سائدة في المنطقة العربية ودول شرق آسيا ودول أخرى .. ولهذا استبشر كافة شرائح الشعب اليمني منذ قدوم فجر أيلول 1962م الذي أشعل دروب اليمنيين نحو الحرية والوحدة والديمقراطية والخلاص من نظام الاستبداد والاستعباد والفقر والظلم الذي كان يعيشه شعب اليمن ..
وهنا يرى الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح في كتابات متواصلة وكتبه عن الثورة كونه احد ابرز المناضلين في نجاح هذه الثورة يقول : لقد تكالب العالم على الثورة اليمنية ( سبتمبر وأكتوبر ) وبذلت ـ أي هذه الدول ـ والقوى المعادية لها كل ما في خزائنها من مال وما في مخازنها من أسلحة وخاض اليمنيون ببسالة وشرف حربا ضارية توجت بالنصر º.. ويؤكد الدكتور المقالح ” لقد لعبت بريطانيا الدولة المحتلة لجنوب البلاد دورا أساسيا في محاربة الثورة والتحريض عليها وجمع القوى المتنافرة للتصدي لها إدراكا من دولة الاحتلال بان انتصار الثورة هزيمة للاحتلال ولوجوده لا في جنوب البلاد فحسب وإنما في كل مناطق الخليج وفي بقية مستعمراتها في الشرق الأقصى ” .. وللتأكيد على كل ما ذكرناه في مقدمة هذا الموضوع فقد أجاب الدكتور المقالح إجابة شافية وواضحة حيث قال : لهذا قاتلت بريطانيا بشراسة ودفعت ببعض القوى العربية للوقوف معها في خندق واحد لإخماد نيران الثورة º ولأن الشعب عرف كيف يوحد خطواته ويتناسى الخلافات الثانوية فقد نجح في الانتصار لأهدافه مهما كان حجم التضحيات التي يقدمها فإن الوطن جدير بأن يحظى أبناؤه بكل غال ونفيس .
واستطرد الدكتور عبد العزيز المقالح في مسألة أن الثورة المباركة تعرضت منذ ولادتها الأولى إلى العوارض والمعوقات بالقول : من يشكك في الانجازات التي حققتها الثورة رغم المعوقات والحروب الخفية التي لم تتوقف يوماٍ فإن بقاء مثل هؤلاء المرضى يزيد من ثقة الناس بالثورة وما حققته من انجازات تاريخية على أكثر من صعيد .. ويقول : إن الذين يكرهون الثورة إنما يكرهون أنفسهم ويكرهون التطور والتغيير º وهؤلاء يريدون لجماهير الشعوب أن تظل قطعانا تأتمر بأمر مالكها الطاغية الذي يأمر فيطاع .
من جهة أخرى ذكر اللواء صالح علي الأشول -رحمه الله- وهو أيضا احد ثوار أيلول 62م في حديث أجريته معه قبل ثماني سنين أن الثورة خلال سنواتها الأولى عانت معاناة كبيرة من قوى الملكيةº تساندهم دول الجوار ولولا ثبات أبناء الشعب عموما وأبطال الجيش خصوصا لأسقطت الثورة بعد سنوات من انطلاقتها º وهذا حصل في حصار السبعين يوما على صنعاء وبعد خمس سنوات من قيام الجمهورية .
ودلل اللواء الأشول على عدوانية دول الجوار وإجهاض مشروع الجمهورية بالقول : السعودية حاولت مرارا وتكرارا إجهاض الثورة وإعادة الملكية º لأنها تعتقد أن قيام جمهورية وسط أنظمة ملكية سيؤثر على نظامها والمنطقة برمتها في ظل هيجان للشارع العربي المناصر لمرحلة الأيدلوجيات والقوميات في خمسينيات القرن الماضي .ويقول ” هذا الهيجان أثار حفيظة المملكة السعودية وأرعبها مما جعلها تحاول استقطاب عدد من المشايخ وتدعم بالمال من اجل زعزعة استقرار اليمن º ولا يخفى على أحد الصراعات والجبهات والانقلابات والاغتيالات التي حدثت بعد الثورة .
وتأكيداٍ على ذلك أكد الشيخ سنان أبو لحوم في مذكراته عن الثورة حيث يقول : لا ينكر أن السعودية بذلت جهوداٍ كبيراٍ لإفشال ثورة سبتمبر وأرسلت صناديق من الفلوس والذهب للنافذ والقبائل لتنفيذ مخططها ولم تؤمن المملكة إلا مع بداية الثمانينيات بعد أن حصلت على تطمينات من صنعاء .
لم يذهب بعيداٍ اللواء حسين المسوري أحد أبطال ثورة سبتمبر لما ذكرناه وتطرق إليه زملاؤه في النضال حين قال : عانى الثوار من مشاكل كثيرة أهمها الضغط الخارجي وأعداء ثورة سبتمبر المجيد الذين بذلوا الغالي والرخيص من اجل إخماد الثورة التي كانوا يعتقدون أنها ستمتد وتطال أنظمتهم الاستبدادية º خاصة وإن الراحل جمال عبد الناصر الرئيس المصري على خلاف مع السعودية وكان يهاجمها في كثير من خطاباته خلال الأشهر الأولى للثورة º والجميع يعلم الدعم الذي قدمه الرئيس عبد الناصر للثورة اليمنية والثورات التحررية في الوطن العربي على وجه الخصوص .
من أهم موانع المملكة السعودية الساعية لإفشال الثورة رجال الإمام البدر بالمال والسلاح وظل هؤلاء يقاتلون لفترة طويلة في مناطق خارج العاصمة صنعاء (حصار السبعين يوماٍ لصنعاء) كان للسعودية اليد الطولى في تقديم السلاح ابتكار الصراعات والجبهات المسلحة وتمويلها في معظم المناطق والمديريات.. شراء ذمم الوجاهات والمشائخ لإضعاف الدولة والجمهورية إلى جانب عمليات الاغتيالات للسياسيين والرؤساء .. احتواء العائلة الإمامية وتقديم الدعم المادي والسياسي لها.
هذه نماذج بسيطة من شهادات ثوار على نهج المملكة السعودية على عدوانيتها على الشعب اليمني ومحاولاتها الدائمة والمتكررة في وضع العراقيل والمخططات والمؤامرات ضد الشعب اليمني ونظامه الجمهوري º وأيضاٍ العديد من محطات وموانع وضعتها السعودية لإيقاف خطى أيلول العظيم º كون ثورة 26 سبتمبر أصبحت بتقديراتهم عنوان ثورة انتصرت لحياة اليمنيين وأغضبت الأنظمة الرجعية في المنطقة .. من يتتبع شهادات الثوار والمثقفين ورجال القوات المسلحة والأمن سيخرج بحصيلة تدين السعودية وتؤكد بأنها وراء المشاكل والمعوقات التي تضعها من وقت لآخر بقصد إعاقة نهوض البلاد وإفقار الشعب اليمني لتبقى مهيمنة عليه وعلى مقدراته º ويكفي شهادات وقصائد الشاعر الكبير عبدالله البردوني التي وصفت هذه المؤامرات والدسائس التي حاكتها السعودية وإلى جانبه الكثير من المؤلفات التي وثقت مراحل الثورة بالإضافة إلى مذكرات الثوار والقادة السياسيين الذين عاصروا تلك الفترة.
استطلاع بسيط لآراء أبناء الشعب اليمني لو تم إجراؤه ستكون النتيجة مذهلة بل ومفجعة لما ستعطيه نتائج هذا الاستطلاع عن الجرائم التي مارسها نظام المملكة السعودية على الشعب اليمني º وما يكنه حكامها من بغض وكراهية وحقد تجاه أهل اليمن º وما جرائم القتل والتنكيل والإبادة الممنهجة وتدمير البنى التحتية وكل المصالح الخدمية والعامة والخاصة إلاِ دليل كافُ على ما سردناه في هذا التحقيق º كما نترك الباب مفتوحاٍ أمام الباحثين ومراكز الأبحاث المحلية والدولية للخوض وعمل الاستقراء والاستطلاع المناسب حول هذا الموضوع الذي تطرقنا إليه من باب الإنصاف والاعتماد على نتائج حقيقية ..