في قلب مدينة ذمار القديمة لا تزال تنتصب المدرسة الشمسية وجامعها الشهير فقد كان لهما دور بارز في إشاعة العلم عبر القرون الماضية, وإليهما ينسب الفضل في تخرْج العديد من العلماء الذين بلغت شهرتهم الآفاق وأصبح لهم شأن كبير في أوساط المجتمع – ليس اليمني فحسب- ولكن المجتمع الإسلامي ككل0
حين قررتْ زيارة هذا المعلم الديني والثقافي العظيم تبادرتú إلى ذهني العديد من الهواجس التاريخية التي ارتبطت بمدرسة الشمسية منذ تاسيسها على يد الأمير شمس الدين ابن الإمام يحيى شرف الدين أواخر القرن العاشر الميلادي أيام فتوة دولة آل شرف الدين الذين نبغ منهم عدد لابأس به من العلماء والأبطال الذين أبلوا بلاءٍ حسناٍ في المقاومة اليمنية ضد الأتراك أثناء الغزو العثماني الأول لليمن0
وحين يلج المرء إلى عقر مدينة ذمار ويتملى بمناظرها العتيقة البديعة تكون أول وجهته المدرسة الشمسية التي تذكر كتب التاريخ أنها بْنيِتú سنة 947 هـ وتم الانتهاء من عمارتها في 949 هـ وفي فترة لاحقة شيدت لها مئذنة عالية وصارت المئذنة من أهم معالم مدينة ذمار وتقع المدرسة الشمسية في حي الجراجيش غرب السوق القديم 0وقد لعبت المدرسة الشمسية دوراٍ مهماٍ في نشر العلوم الشرعية واللغويةحيث التحق بها وتخرج منها قي العصر الحديث كوكبة من علماء اليمن وشعرائها المتميزين أمثال الشاعر اليمني الكبير الأستاذ عبد الله البردوني والشاعر إبراهيم الحضراني وأحمد عبد الوهاب الوريث وزيد الموشكي والمقرئ محمد حسين عامر والمؤرخ الشهير محمد بن علي الأكوع وأخيه المؤرخ إسماعيل بن علي الأكوع الذي يذكر في كتابه ” المدارس الإسلامية في اليمن ” أنه كان للمدرسة مكتبة نفيسة موقوفة وكانت إلى بضع سنوات خلت صرحاٍ من صروح العلم حيث كان يفد إليها طلبة العلم للدراسة في كل عام من شتى المناطق بالإضافة إلى الطلاب من المدينة نفسها ومن نواحيها وكان طلاب العلم الوافدون إلى ذمار يعرفون بالمهاجرين يقيمون في منازل ( أي حجرات ) ملحقة بالمدرسة الشمسية وكانت بعض هذه المنازل معروفة بأسماء أسر تتوارث الإقامة بها خلفاٍ عن سلف لطلب العلم وكان يعيش أغلب الطلاب على ما يقدمه لهم بعض بيوت المدينة من مساعدة ومع شظف العيش فقد كان هؤلاء الطلاب يحققون قدراٍ عظيماٍ من المعرفة.
توجد بيوت الطلبة (المنازل) ملاصقة للسور الخارجي للمنشأة وذلك من الجهات الشرقية والغربية والجنوبية والجهة الشمالية الشرقيـة والشمالية الغربية (شكل 1) ويفصل بينها وبين بيت الصلاة الصحن المكشوف. وتتكون كل منـزلة من طابقين الأول منهما مبني من حجر الحبش بينما الطابق الأعلى من الآجر واللبن ويتم الصعود إليه عن طريق درج حجري داخلي بينما يتم الصعود إلى الطابق الأعلى بالمنازل التي بالجهة الشمالية بواسطة درج خارجي في الصحن وتتكون كل منـزلة من حجرة واحدة في كل طابق عبارة عن مساحة مستطيلة تخصص لأكثر من طالب ويتخلل بعض المنازل فتحات نوافذ للإضاءة والتهوية بينما يخلو بعضها من النوافذ. ولا يلحق بالمنازل مرافق خاصة بها من حمامات أو مطابخ حيث أن القائمين بها يستعملون الحمامات الخاصة بالمسجد كما كانت العادة أن يقدم الطعام للطلاب من أهل المدينة فقد ذكر الحجري أن أهل ذمار يحبون من هاجر إليهم من طلبة العلم ويقررون للفقراء منهم كفايتهم من الزاد. وقد هدمت المنازل التي في الناحية الجنوبية الغربية نتيجة الزلزال الذي تعرضت له المدينة سنة 1982م وأقيمت مكانها مطاهر حديثة.
المئـذنـة: تتبع الطراز اليمنى في بناء المآذن إذ أنها تتكون من قاعدة مربعة مبنية من حجر الحبش ويبلغ طول ضلعها عند القاعدة 4.80م بينما تنحسر الجدران إلى الداخل قليلاٍ من أعلى. وتنتهي القاعدة بشرفات مسننة حيث يبلغ ارتفاع القاعدة حتى نهاية هذه الشرفات 11.55م ويوجد في الجدار الغربي من قاعدة المئذنة فتحة باب معقودة يؤدي إلى داخل المئذنة وقد حليت الأجزاء العليا من جدران القاعدة بزخرفة عبارة عن قطع من الآجر موضوعة بشكل تبادلي تكون أشكال دلايات بسيطة التكوين. يعلو القاعدة دورة متعددة الأضلاع يبلغ ارتفاعها حتى بداية الشرفة 5.80م وتنتهي هذه الدورة بزخرفة عبارة عن قطع بارزة من الآجر تشكل كوابل تستند عليها الشرفة أما جدار الشرفة فإنه يشتمل على زخارف هندسية بارزة عبارة عن خطوط متقاطعة منفذة بالجص. أما الدورة الثانية للبدن فإنها تتكون من جزأين السفلي منها إسطوانى يعلوه جزء مثمن يتخلل كل ضلع من أضلاعه فتحة نافذة. وينتهي البدن بزخرفة من قطع الآجر مرتبة رؤوسها بشكل تبادلي. ويبلغ الارتفاع الكلي للمئذنة حتى نهاية البدن 24.45م. وتنتهي المئذنة بقبة نصف كروية وقد أضيفت هذه القبة سنة 1982م بواسطة مكتب أوقاف ذمار بعد أن سقطت القمة الأصلية للمئذنة نتيجة للزلزال –كما قال لي مدير عام الآثار بذمار الأستاذ علي السنباني- ويقال إنه أثناء أعمال الترميم التي حدثت بالمئذنة عثر على لوحة تشتمل على كتابة تسجيلية تشير إلى أن المئذنة بنيت سنة 1155هـ/1742م في عهد الوالي العثماني محمد على بينما يشير رأي آخر إلى أنها بنيت بعد بناء الجامع بفترة قصيرة في عهد السلطان سليمان سليم خان ابن بايزيد.
يشتمل المسجد (المدرسة) الشمسي على ثلاث مجموعات من المطاهر المطاهر الشمالية والمطاهر الجنوبية والمطاهر الشرقية. وتعتبر المطاهر الشمالية أهمها حيث إنها أقدمها وترجع إلى تاريخ بناء المسجد ما عدا وجود بعض التجديدات التي طرأت عليها وتوجد المطاهر الشمالية خلف جدار القبلة. وهي عبارة عن مساحة مستطيلة أبعادها من الداخل 15.90م×9م بينما أبعادها من الخارج 16.90×10.50م. ويؤدي إلى هذه المطاهر ثلاث فتحات أبواب اثنان من الصحن المحيط ببيت الصلاة ومدخل خارجي يقع في الناحية الشمالية الغربية يؤدي إلى الشارع. وتتكون هذه (المطاهر) من ممر أوسط بعرض 3م على ثلاثة جوانب منه المطاهر التي يدخل إليها عن طريق فتحات معقودة ويبلغ عدد المطاهر ثلاث عشرة مطهاراٍ.
حين يغادر المرء الشمسية يظل الحنين إليها يفوح في جنبات الروح شوقاٍ لزيارة هذا المعلم النوراني البديع الذي يشع نوراٍ وبهاءٍ وروحانية, خاصةٍ وهو يجاور العديد من المعالم الروحانية العتيقة كالجامع الكبير بذمار وجامع الإمام الشهير يحيى بن حمزة مؤلف كتاب الطراز في أسرار البلاغة والإعجاز الذي طْبعِ في مصر بثلاثة مجلدات عرفت العالم بحقيقة العقليات اليمنية التي كان لها باع طويل مع العلم رغم انشغالها بالحكم,وهو ماكن موجوداٍ لدى معظم ملوك الدولة الرسولية.