غياب الاستقرار النفسي والاجتماعي بمخيمات النزوح يولد الانحراف

قالت أستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب ـ جامعة صنعاءـ الدكتورة سكينة أحمد هاشم إن تواجد ضحايا الحروب والصراعات في مخيمات النزوح يتسبب بضعف الروابط الاجتماعية وضياع العادات والتقاليد وظهور روح التنافس والصراع والتمرد لدى النازحين.. مشيرةٍ إلى أن الأطفال في معسكرات النزوح لا يتمتعون بالرعاية الأسرية كما يجب, وذلك بسبب الظروف التي تمر بها أسرهم.
وأكدت الدكتورة سكينة أحمد هاشم على أن %50 من شباب التنظيمات المتطرفة الإرهابية يعتبرون من ضحايا الحروب.. لافتة إلى أن أسر النازحين معرضة للانحراف وبنسبة كبيرة في حال غياب التوعية النفسية والاجتماعية.
وتحدثت الدكتورة سكينة عن الآثار النفسية والاجتماعية التي يمر بها نازحو الصراعات في المخيمات, وعن الإيجابيات أو السلبيات التي قد يكسبها النازح خلال فترة نزوحه وكذا المعالجات الفعالة لحالتهم النفسية ودور الحكومة في ذلك¿ التفاصيل..

* هل النزوح الناتج عن الصراعات يساهم في إضعاف الروابط الاجتماعية والثقافية¿
ـ ظروف النزوح تترتب عليها كثير من الأوضاع الشاذة مثل اختلاط النازح بجماعات عرقية وثقافية ودينية متباينة كما هو الحال في بعض المعسكرات التي تقطنها مجموعات من القبائل الأخرى والجماعات الأخرى مما قد ينتج عنه ضعف الضوابط الاجتماعية وقلة تأثر النازح بفكره الأصل والتقاليد والأعراف مما قد يزكي لديه روح التنافس والصراع مع المجموعات الأخرى والذي قد يؤدى بدوره لازدياد الجريمة أو لظهور أساليب توافقية جديدة لمواجهة الضغوط الناجمة عن النزوح مثل الدعارة والإدمان والجنوح وبالتالي إحلال الضوابط الرسمية بالشرطة والسجون وأوامر لم يعتدها هؤلاء في مناطقهم الأصلية التي كانت تحكمها الضوابط الاجتماعية العرقية أكثر من الضوابط الرسمية في تنظيم السلوك الاجتماعي.
* هل نستطع القول أن النزوح لا يسهم في بناء شخصية ايجابية للنازحين¿
ـ لا نستطع القول أن آثار النزوح قد لا تسهم في بناء شخصية النازح إيجابيا فقد يحدث ذلك إذا اعتبرنا أن مثل هذه التباينات الثقافية والاجتماعية آلية للانتشار الثقافي من مجموعات الوطن الواحد أو القارة فإذا حدث تناغم في تكيف النازح مع غيره ومع الموارد الطبيعية ومساحة الأرض التي انتقل إليها وأنشأ بالتالي نوعاٍ من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية مع المجتمع الجديد أو بين وطنه والوطن الذي نزح إليه أو إن استفاد من الظروف الضاغطة هذه في تنمية قدراته ومهاراته للتوافق والعطاء. ويمكن بالطبع توقع هذه الإيجابيات للنزوح إن كانت الضغوط التي يتعرض لها هؤلاء الأفراد بقدر معتدل يسهل (Facilitating) من استثارة الدوافع والسلوك الإيجابي.
* ما هي آثار النزوح على الأطفال¿
ـ آثار النزوح على الأطفال أن الطفل في هذا المعسكر لا يتمتع بالرعاية الأسرية كما ينبغي فأسرته مع واقع ظرفها تمثل المركز المنوط به إشباع حاجاته البيولوجية والنفسية والاجتماعية والروحية وتمثيل القدوة وهذا الحرمان في كل أبعاده بالإضافة للمرحلة العمرية للطفل يمكن أن تعمل على ظهور الأعراض النفسية وسط الأطفال النازحين .
ويرى (ونكوت 1984م) (Winnicott) المذكور في عبد المجيد (1992م) أن مثل هذا الاضطراب النفسي وسط هذه الشريحة يعتبر محاولة من الطفل للبحث عن أمل خارج نطاق الأسرة التي عرضته لمجموعة من المطالب والضغوط التي لا تتناسب مع عمره وطاقته للتحمل. ويتفق مع هذا الرأي مكولسكي 1996م (McCloskey) الذي يقول: إن الأطفال في مناطق النزاعات المسلحة يظهرون عددا من الأعراض النفسية السالبة ومن الآثار الصحية الناتجة عن النزوح الظروف العامة للمعسكرات التي يمكن اعتبارها في غاية السوء كما أن هنالك أمراضا تحاصر الأطفال مثل سوء التغذية والسل والتسرب من الدراسة والعمل بعد اليوم الدراسي فكل ذلك يعتبر من مسببات ارتفاع درجة الأعراض النفسية وسط النساء النازحات.
* ما دور الدولة في حماية مناطق النزوح¿
ـ للحكومة دور كبير في حماية مناطق النزوح منها:
ـ حماية الأشخاص من التشريد القسري وحماية النازحين ومساعدتهم أثناء تشريدهم وأثناء عودتهم أو إعادة توطينهم وإدماجهم.
– تطوير آلية لمعالجة قضايا السكن والممتلكات بما في ذلك إعادة البناء وإعادة العقار إلى مالكه.
– تبني وتنفيذ سياسة وطنية لمعالجة وحل قضايا النزوح الداخلي على أن تكون هذه السياسة متسقة ومبنية على معايير قانون الحقوق الدولي والقانون الإنساني الدولي وأن تأخذ بعين الاعتبار المبادئ الإرشادية حول النزوح الداخلي وأن تحدد إجراءات لحل قضايا النزوح وأن تحمي حق النازحات في الاختيار من بين الحلول(إما العودة إلى مناطقهن الأصلية أو الاندماج في مناطق نزوحهن وإعادة توطينهن في مكان آخر داخل البلد.
* ما نسبة توقع اندراج وانخراط الشباب المتضررين في صفوف التنظيمات الدينية المتطرفة. في حال غياب الرعاية النفسية والمجتمعية من قبل الحكومة¿
ـ ترتفع نسبة انخراط الشباب في التنظيمات الدينية في أوساط الشباب المتضررين من النزاعات المسلحة , فيمكن أن تصل النسبة إلى %50 من الشباب المنخرط في هذه التنظيمات من الشباب المتضرر من النزاعات المسلحة. لأن قيادات هذه التنظيمات تعمل على غرس ثقافة ورؤية هادفة لهم كما تعمل على استغلال الظروف التي يعيش بها هؤلاء الشباب فتصور لهم بأنها جاءت كمنقذ من هذا الوضع وأنها ستعمل على توفير الظروف السليمة لهم للعيش وللتمتع بظروف أحسن ومن ضمن الأساليب التي تستخدمها هي إغراؤهم بالمال وبالسلاح في مقابل الانخراط في تنظيماتهم.
* هل عدم استقرار الأسرة نفسيا واجتماعيا وفقدانها منازلها إزاء الحروب قد يدفع بها نحو الانحراف¿
ـ نعم من الأسباب الرئيسية للانحراف هو عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي للأسر وبالتالي للأبناء ونتيجة عدم استقرارهم يؤدي إلى الاضطراب السلوكي وبالتالي الانحراف. فكل الدراسات النفسية والاجتماعية تؤكد على أن الاستقرار النفسي والاجتماعي يؤدي إلى وجود مجتمع سليم خالُ من الانحراف والعكس صحيح حيث أن الاضطراب الاجتماعي والاضطراب النفسي يؤدي إلى اضطراب السلوكيات وبالتالي الانحراف والتشرد والانخراط أيضا في التنظيمات السياسية والدينية المتطرفة.
* ما هي الحلول أو المعالجات لكل تلك الآثار التي يعاني منها النازحون¿
ـ سأختصر الحلول كما يلي:
1 – ضرورة توجيه عناية أكبر للمعسكرات والمخيمات التي يلجأ إليها النازحون والاهتمام بتخطيطها وتوفير الحد الأدنى من المساحات والميادين وإزالة الأشجار وتسوية الأرض وتوفير الخدمات الضرورية والأساسية كالماء الجيد وخدمات الصحة والتعليم.
2- استيعاب باحثات اجتماعيات وخبراء علم نفس وأطباء للعمل في مراكز للإرشاد النفسي ومراكز الرعاية الأولية الخاصة بالأمومة والطفولة ورعاية الأحداث لإعادة التأهيل في المناطق المعرضة للنزاعات المسلحة.
3- تنشيط الدعم الشعبي بإقامة الأسر المنتجة ـ الصناعات الصغيرة ـ وذلك بتوفير الضروريات.
4- دعم وسائل الإعلام وزيادة مدى بثها وإتاحة الفرصة للنساء والأطفال للتحدث عن تجاربهم مع الحرب والنزوح وذلك لإيجاد أرضية مشتركة للدعم والمساهمة والمشاركة الوجدانية مع الآخرين.
5- الاهتمام بالطفولة وذلك بإنشاء رياض الأطفال وتوفير خدمات التطعيم وتوعية الأمهات بالمخاطر الصحية التي تنجم عن الفقر والجهل.
تصوير/ عبدالله حويس

قد يعجبك ايضا