كثيرة هي المشكلات التي سمعتْ بها عند وصولي محافظة المهرة والتي تعاني منها مديرية قشن لكني عند زيارتها تفاجأتْ بمدى الإهمال الذي طالِها في مختلف المجالات وبمجرد وصولنا إليها ومعرفة الناس بأن هناك صحفياٍ أتى من صنعاء لتفقْد أحوالهم ونقل معاناتهم وعرضها على الجهات المعنية توافدوا علينا وكْلَ يضعْ قضيتِهْ وكأنهْ يعرضها على رئيس الدولة أو رئيس الوزراء فالبعض يشكو من الانقطاعات المتوالية للكهرباء وآخرون يشكون من شحة المياه فيما يشكو الصيادون بمرارة عن مشكلاتهم المتعددة التي لم تجد لها آذاناٍ صاغية لحلها من قبل المعنيين.
لكن أكثر ما حِزِ في النفس هو حال المدينة البائسة وآثارها المتهدمة وعشرات المتقاعدين في السلك العسكري والمدني الذين تقاطروا علينا يعرضون مظالمهم وتقصير اللجنة المكلفة بمعالجة أوضاعهم في الوصول إليهم. لأن قضاياهم وشكاواهم كانت كثيرة.
في مدينة قشن كل ما تراهْ يبعثْ على الأسى والحسرة والألم.. الشوارع ترابية يتطاير من جنباتها الغبار الذي يتسبب بالعديد من الأمراض وما كان يسمى شارعاٍ اسفلتياٍ أصبحِ فيه الاسفلت في خبر كانِ! القمامة تتكدس دون أنú يلتفت إليها أحد من المعنيين ولولا الحس الحضاري العالي الذي يتميز به أبناء مدينة قشن والذي يدفعهم لتنظيف شوارعهم بأنفسهم لغرقت المدينة في القمامة دون أنú تجد مِن يغيثها حتى بعربة نقل أو عامل نظافة.. كل ذلك الإهمال في ظل حرص شديد من الجهات المعنية بالنظافة على جباية رسوم النظافة على كل شيء والمواطنون يتندرون ويقولون: الدولة حاضرة في الجباية غايبة في التنفيذ!
قشن هذه المدينة التي هي اليوم إحدى أهم مْدْن محافظة المهرة كانت إلى يوم الثلاثين من نوفمبر عام 1967م يوم الجلاء والاستقلال لجنوب الوطن عن الاحتلال البريطاني عاصمة لمحافظة المهرة وجزيرة سقطرة فقد كانت أراضي محافظة المهرة التي يقع الآن جزء كبير منها ضمن محافظة حضرموت تتبع السلطنة العفريرية أو العفرارية كما تْنطِق في اللغة العربية واللغة المهرية وكان سلطانها من آل عفرير أو عفرار يْسمى ((سْلطان سقطرى والبِر)) ويْقúصِد بالبر محافظة المهرة وفي فترات سابقة كانت تْسمى سلطنة المهرة وكانت عاصمة السلطنة هي مدينة قشن هذه المدينة التي خفتú نجمها وقلِ صيتها وأهميتها بعد أنú تم توحيد كافة السلطنات والمشيخات في جنوب الوطن ضمن دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وبعد أنú انتقلت عاصمة المحافظة إلى مدينة الغيضة وتمِ إلحاق جزيرة سقطرى بالدولة المركزية أحياناٍ وبمدينة عدن أحياناٍ أخرى قبل أنú يتم إلحاقها مؤخراٍ بمحافظة حضرموت.
هذا التغير الذي طرأِ على محافظة المهرة كان على حساب مدينة قشن كما يقول أهلْها حيث دفعتú ثمن ذلك غالياٍ إذú أصبحتú مدينة ثانوية في محافظة كانت هي مدينتها الأولى وبالتالي فقد انصرفِتú عنها أنظار الكثيرين ولم يعد الاهتمام بها كما كان في السابق وهذا تجلى واضحاٍ من خلال الإهمال الذي بدا في كل شيء فيها بما في ذلك الأماكن التاريخية والسياحية وعلى رأسها قصر السلطان الذي تهدم على مرأى ومسمع من الجميع.. ولولا الجهد الخاص الذي يقوم به حالياٍ الشيخ عبدالله بن عيسى عفرير نجل آخر سلاطين السلطنة العفريرية لما بقيِ لهذا المعلم أثر.
وقد زرنا القصر وهو في حالة ترميم ويحتاج للكثير من المال والجهد لإعادته لسابق عهده ومثله بقية المباني التاريخية التي تنعق البوم في أرجائها.
وبالنسبة لسواحل قشن رغم جمالها لم نجد حتى مشروع استثماري واحد يمكن أنú يحرك المياه الراكدة في مجال الاستثمارات التي تفتقر إليها محافظة المهرة ككل والتي يمكن أنú تستوعب الآلاف من الأيدي العاملة وتساهم بفاعلية في القضاء على البطالة الحاصلة في أوساط الشباب.
البحر في قشن هو مصدر الدخل الرئيسي إنú لم يكن بحد ذاته هو المصدر الوحيد للغالبية من السكان الذين يعتمدون على الصيúد في عيشهم وحياتهم ورغم ذلك فسواحل قشن مستباحة على الدوام للبواخر الأجنبية التي تأتي للصيد بوسائل الجرف الجائر الذي يتلف البيئة البحرية ويقتل الأسماك الصغيرة ويدوس على بيضها في ظل صمت رسمي مشين.
إضافة لذلك لا يوجد في ميناء قشن السمكي كواسر للأمواج تمكن الصيادين من الاصطياد على مدار العام وهذا ما يجعلهم يظلون أشهْراٍ دون عمل حين يهيج البحر وتتلاطم أمواجه فيمكثون في البيوت الا القليل القليل ممن يسمح لهم الصيادون في ميناء نشطون السمكي بالصيد في الميناء الوحيد في المحافظة الذي يوجد به كاسر للأمواج وفي مساحة ليست بالكبيرة التي يمكنها استيعاب كل صيادي المحافظة فضلاٍ عن الصيادين الذين يأتون من المحافظات الأْخرى في موسم صيد سمك الحبار الذي صادف موسمه وقت وصولنا لمدينتي نشطون وقشن في أواخر شهر يونيو وبداية شهر يوليو.
حين التقيتْ السلطة المحلية بقشن أدركتْ حجم المعاناة التي يعانيها أبناء مديرية قشن وأيقنتْ أن كل الأمور عبارة عن تسويف وبيع كلام بدليل عدم ذكر خطة مرسومة لمعالجة ما هو حاصل ولا الاقتراب من أسئلتي بإجابة محددة. وعليه نضع الأمر برْمِته أمام السلطة المحلية بالمحافظة وهي المسئولة بدورها عن إيجاد الحلول لمشكلات مديرية قشن خاصة وأن المواطنين يقولون أن أكثر مشكلاتهم ناتجة عن عدم توافق بين رئيس المجلس المحلي وبقية أعضاء المجلس.
وما أتمناهْ من قلبي فعلاٍ أنú أعود إلى قشن وقد استْكملِ ترميم قصر السلطان والمباني التاريخية الأخرى وأنú أرى شوارعها وقد أضحتú نظيفة ومرصوفة بالشكل الذي يليق بعظمة هذه المدينة فضلاٍ عن أْمنياتي بتجاوزها لمشكلات الكهرباء والمياه والصيد العشوائي.
مؤخراٍ تم افتتاح قصر السلطان بن عفرار بعد استكمال ترميمه.
Next Post