(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).
الأربعةُ الأشهُرُ الحُرُمُ، التي يُحرَّمُ فيها القتالُ إلا دفاعًا عن النفس، ويُعظَّمُ فيها إثمُ العدوانِ على الدماءِ والأموالِ والأعراضِ واقترافِ المعاصي والغَدْرِ ونقضِ العهودِ والفسادِ في الأرض، هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرَّم ورجب الفرد. ينبغي للمسلم في هذه الأشهر زيادةُ الطاعات والعبادات، والإكثارُ من التوبة والاستغفار، وتجنبُ الخلافات والمشاحنات، وصلةُ الأرحام والإحسانُ خاصةً إلى الضعفاء واليتامى. فقوله تعالى: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي: لا تَظْلِمُوا أنفسكم في الأشهر الحرم بارتكاب المعاصي، فإنها أعظمُ إثمًا وأشدُّ وِزرًا.
كما أنَّ العملَ الصالحَ والأجرَ فيهن أعظمُ من غيرهن، فقد عظَّمَهُنَّ اللهُ واصطفاهن، كما عظَّمَ رمضانَ من الزمانِ واصطفاه.
فعظِّموا ما عظَّمَ اللهُ واصطفاه، تفوزوا بمحبته ورضاه. (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) أي: مجتمعين غير متفرقين، مؤتلفين غير مختلفين.
وإنه لمن المؤسف أن نرى المسلمين يختلفون على قتال المشركين من أهل الكتاب وغيرهم، ولا ينفروا لقتال من يقاتلهم ويشق صفوفهم في الأشهر الحرم، ويسعى إلى إحداث فرقة وفتنة، وإشعال نار الحرب بين العرب والمسلمين، وهم في أمس الحاجة إلى وحدة الصف، وإلى التعاون على البر والتقوى، سيَّما في الأشهر الحرم، التي جاء في قول بعض العلماء أنَّ الإسراء والمعراج حصلا في رجب، وجاءت فيها التسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر والتعظيم، بما هو جامع لأشرف المقامات وأكملها، كفرض الصلاة، والإسراء به إلى المسجد الأقصى الذي يؤكد أنه أول القبلتين، وقد كان التوجه إليه بالصلاة قبل تحويل القبلة، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى فيه بالأنبياء.
وقد كانت صلاة المؤمنين قبل فرض الصلاة على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذات ركوع وسجود كصلاتنا اليوم، قال تعالى: (وَ عَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ). ومن أولى بالركوع والسجود من هذه الأمة في المسجد الأقصى وتطهيره من دنس اليهود؟
وقد فُرِضَت الصلاة ليلة الإسراء، وهي عند بعض العلماء في شهر رجب، وقيل في غيره. فعلى الذين يتوجهون هذه الأيام للقتال وإشعال الفتنة في حضرموت (يمن الإيمان) أن يتوقفوا عن الاعتداء، وأن يتوجهوا بأموالهم وأنفسهم إلى تطهير الأقصى الشريف، وتعظيم كلمة التوحيد، والصلاة في المسجد الأقصى، سيَّما وقد جاء الأمر الرباني في آية تعظيم الأشهر الحرم بقتال المشركين، فقال سبحانه: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
