لا يكلف الله نفسا إلا وسعها

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
إن رحمة الله تبارك وتعالى لا يحيط بها علم ولا يدرك حد رحمته عز وجل وسعت كل شيء ومن رحمته تبارك وتعالى بعباده أنه لم يكلفهم بشيء إلا إذا كان بمقدورهم واستطاعتهم فقال عز وجل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.. البقرة.
ولقد بينت السنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم في قوله صلى الله عليه وسلم (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) من هو الخطأ عرفه العلماء بأنه أن يقصد الإنسان فعل شيء فيصادف فعل غيره وهو مفعو عنه بنص الحديث السابق وبنص قوله تعالى كما رواه مسلم في صحيحه من حديث سعيد بن جبير عن أبن عباس قال لما نزل قوله تعالى (ربنا لا تؤاخöذنا إöن نسöينا أو أخطأنا) قال تعالى قد فعلت وقال عز وجل أيضا (وليس عليكم جناح فöيما أخطأتم بöهö ولكöن ما تعمدت قلوبكم) والخطأ وارد من أي إنسان ذكر الحسن البصري أمر نبي الله سليمان ووالده داود عليه السلام فقال لولا ما ذكر الله من أمر هذين الرجلين داود وسليمان لرأيت أن القضاة قد هلكوا (وداوود وسليمان إöذ يحكمانö فöي الحرثö إöذ نفشت فöيهö غنم القومö وكنا لöحكمöهöم شاهöدöين78/21ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعöلما).. ذكر المفسرون أن رجلين دخلا على داود عليه السلام أحدهما صاحب زرع والآخر صاحب غنم فقال صاحب الزرع يا نبي الله إن غنم هذا نفشت في حرثي فلم يتبق منه شيء فحكم داود عليه السلام لصاحب الزرع أن يأخذ غنم خصمه.
وعند خروجهما التقيا بسليمان عليه السلام فأخبراه بحكم أبيه فدخل سليمان على أبيه فقال له يا نبي الله إن القضاء غير ما قضيت فقال له كيف, قال ادفع الغنم إلى صاحب الزرع لينتفع بها وادفع الزرع إلى صاحب الغنم ليقوم عليها حتى يعود كما كان ثم يعيد كل منهما إلى صاحبه ما تحت يديه.. فقال داود عليه السلام القضاء ما قضيت يا سليمان.
وإذا بساحة الحق تبارك وتعالى تتجلى واضحة في عفوه عن الإنسان إذا نسى وفعل فعلا مخالفا فالإنسان سمي إنسانا لكثرة نسيانه والمعصوم صلى الله عليه وسلم بشر وأخبر عن نفسه أنه ينسى فقال إنما أنا بشر أنسى كما تنسون.
ولما رفع المؤمن يد الضراعة لمولاه (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) قال المولى عز وجل قد فعلت ويبين المولى سبحانه وتعالى تجاوزه عن عباده في حالة النسيان في أمور العبادات فقال صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر (من أكل أو شرب ناسيا فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه).
ثالثا موقف الشرع من الإكراه.
  أن الله تبارك وتعالى جعل لعباده مساحة من الحرية والاختيار حتى في أمر الدين قال عز وجل (فمن شاء فليؤمöن ومن شاء فليكفر).
ولكن ربما يوضع الإنسان في وضع كأن يجبر أو إكره  وتسلب منه حرية الاختيار وفي هذه الحالة تتجلى رحمة الله عز وجل وعفوه عن عباده قال صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ومن أبرز الأمثلة ما جرى وما كان من شأن عمار بن ياسر وأبيه وأمه, هؤلاء الثلاثة ذاقوا ألوانا من العذاب ليرتدوا عن دين الله حتى مات ياسر وأم عمار سمية رضي الله عنهم جميعا من شدة العذاب فأكره عمار على أن يظهر الكفر بلسانه إلا أن قلبه ممتلئ بالإيمان حتى قيل يا رسول الله أن عمار قد كفر فقال صلى الله عليه وسلم كلا إن عمارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط بلحمه ودمه.. وإذا به صلى الله عليه وسلم يسأل عمار كيف تجد قلبك¿ قال مطمئن بالإيمان قال صلى الله عليه وسلم إن عادوا فعد,, فنزلت الآية (من كفر بöاللهö مöن بعدö إيمانöهö إöلا من أكرöه وقلبه مطمئöن بöالإöيمانö) الآية فإن هذا كله يدل على لطف الله بعباده ورحمته بهم والله أعلم.
عضو البعثة الأزهرية

قد يعجبك ايضا