صباح يوم الاثنين الأوِل من يوليو 2013م كنتْ مع رفيقي المهندس الشاب سعيد القميري نائب مدير عام مكتب الزراعة بمحافظة المهرة قد غادرنا مدينة الغيضة عاصمة المحافظة عند الساعة السابعة والربع متجهين صوب مدينة سيحوت.. في الطريق كان الضباب يغطي الجبال المطلة على السهل الساحلي والتي لا تبعد عن الشاطئ في أغلب الأحيان كيلو متر واحد فيما كان الطريق الذي نعبره مشبعاٍ برطوبة البحر التي تحمل معها نسمات عليلة.
كانت وجهتنا صوب سيحوت لكننا مررنا قبلها بمْدن نشطون وحصوين وقشن لأن سيحوت أقرب المدن المهرية إلى محافظة حضرموت.. وفي سيحوت كانت الصدمة الأولى حين رأينا سواحلها تفتقر لأدنى المقومات أما المدينة فهي أفقر ما تكون لخدمات قرية منها عن مدينة وهذا يبدو بشوارعها الترابية ومبنى السلطة المحلية الذي يكاد ينطق عند رؤيته: الحال يغني عن السؤال.
أوِل ما يْدهشْ الزائرِ لمديرية سيحوت خلجانْها التي تفوق بجمالها وفرادة موقعها أشهر الخلجان العالمية إلا أن سيحوت كما هو حال بقية مواقع بلادنا الهامة تعاني من قصور كبير في الترويج والاستثمار الغائب تماماٍ عن سواحل مديرية سيحوت الفاتنة.. وأقول الفاتنة وأنا أقصدْ تماماٍ ما أقول وأعرفْ أنِ مِن زارِها من قبل سيوافقني الرأي. ولكن ما يحزْ في النفس أن تلك الخلجان الممتدة على طول الساحل المطل على بحر العرب والمحيط الهندي أضحتú ممراٍ ومحطة عبور للكثير من المهربات التي تأتي في مقدمتها المخدرات والكثير من الممنوعات في ظل تقاعس رسمي عن حماية تلك الشواطئ كما هو الحال في الاستثمار فيها وتشغيل الأيدي العاملة التي أضحت في عداد البطالة فضلاٍ عن الجذب السياحي الذي ستمثله تلك المنطقة في حال تم الاستثمار فيها ببناء المنتجعات السياحية والشاليهات التي ستعمل على رفد المنطقة وخزينة الدولة بالعملة الصعبة.
في سيحوت يتلقاك المواطنون بالشكوى من انعدام المياه والكهرباء وندرة الصيد في سواحلهم نتيجة لغزو سفن الصيد الأجنبية التي تأتي وتصطاد بأساليب الجرف الجائرة التي تدمر البيئة البحرية وتهلك العديد من أنواع السمك في الوقت الذي تغيب الدولة تماماٍ – حسب أقوالهم – عن حماية المياه الإقليمية اليمنية ما يجعل من الصياد اليمني هو الضحية الأول والأخير.
أما آثار سيحوت فحدثú ولا حرج فقد أضحتú عرضة للنهب والتدمير في ظل تقاعس رسمي عن الاهتمام بها فضلاٍ عن جهل السكان بأهميتها وما يمكن أنú تمثله لهم من عنصر جذب للسياح والمستثمرين في حال تم الاهتمام بها وإيجاد متحف لها والتنقيب عما هو مطمور في باطن الأرض في المناطق التي توجد فيها العديد من الشواهد التاريخية.
أبناءْ سيحوت يتميزون بحس حضاري وهذا ما يؤكده العقيد عبد الملك صالح العمري مدير أمن مديرية سيحوت الذي يعمل فيها منذ حوالي 15 عاماٍ بقوله:
سيحوت من المديريات المتميزة في محافظة المهرة في الجانب الأمني ناسها هم الأمن وهم السلام لهذه المديرية ودور رجال الأمن هنا يأتي في المرتبة الثانية بعد الدور الأول الذي يقوم به المواطنون. وهذا الشيء الذي جعلِ هذه المديرية بعيدة عن الصراعات التي شهدتها بلادنا خلال عامي 2011م و 2012م وحتى يومنا هذا. وأهل سيحوت مثلهم مثل أبناء المهرة بشكلُ عام ينبذون الأعمال المتطرفة وما يتسبب بالإخلال بالأمن والاستقرار.
وهناك قصور من قبل الأمن حيث لا يوجد لدينا خفر سواحل رغم امتداد سواحل هذه المديرية وهذا ما جعل من هذه السواحل بوابة عبور للمخدرات والمهربات المختلفة.
من جهته الأستاذ سعيد عوض الزويدي مدير السياحة والآثار في مديرية سيحوت عرضنا عليه ما يتم تداوله بين المواطنين وبعض المهتمين عن الإهمال الحاصل في جانب الآثار فوافقِهم الرأي وزاد عليه أنú شكا من الحالة المتدهورة للسياحة في المديرية والتي لم يلتفتú إليها أحد من المعنيين حتى الآن رغم امتلاك سيحوت لشواطئ تضاهي بجمالها أشهر الشواطئ العالمية.
وعن الآثار المهملة عرضِ علينا نقشاٍ حجرياٍ ضخماٍ تمِ إيداعه لدى إدارة السلطة المحلية بالمديرية ويتم الاعتناء به من قبل إدارة أمن المديرية التي حرصتú على إيداعه لدى السلطة المحلية خشيةٍ عليه من تجار الآثار الذين ينهبون آثارنا ويبيعونها للخارج.
وأضاف: هناك العديد من الآثار في مديرية سيحوت التي مازالت مطمورة تحت الأرض ولم يتم حتى الآن التنقيب عن أيُ منها رغم أهمية الجانب السياحي في رفد خزينة الدولة باعتبار السياحة مورد لا ينضب.
لدينا مقر معاملات الأحوال المدنية والجمرك في عهد السلطنة العفرارية ومع ذلك تم إهماله ولم يهتم به أحد حتى الآن رغم أنه من المعالم المهمة لمدينة سيحوت بالإضافة إلى المقبرة التاريخية التي تعود لحوالي عشرة قرون أو أكثر وما تزال معالمها واضحة للعيان وشواهد القبور تنبئ عن حضارة عريقة قامت على هذه الأرض لكن أين مِن ينقب عن مكنوناتها وكنوزها الثمينة¿!
وضع الآثار والسياحة في مديرية سيحوت متردُ مثله مثل حال محافظة المهرة بشكل عام إنú لم نقل حال السياحة في اليمن عموماٍ.
غادرتْ مدينة سيحوت عائداٍ نحو الغيضة عاصمة محافظة المهرة لكن منظر خلجانها البديعة وبالذات في منطقة عتاب لا يزال ماثلاٍ أمامي كأنه ينطق بذلك الجمال الرباني لتلك الخلجان التي رغم جمالها وفتنتها لا يوجد فيها أي مشروع استثماري أو أثر للحياة سوى الطريق الاسفلتي والبحر الذي ينسابْ بتاغمُ بديع مع رمال الشواطئ الساحرة.
وغاية ما أتمناه أن أعود إلى سيحوت وقد أضحت تلك الخلجان والشواطئ صاخبة بالبشر والمباني السياحية وأفواج السياح.