الحقيقة التي يحاول العدو طمسها، هي أن طوفان الفلسطينيين قد أحدث فعله المدوّي، وترسّخ في الذاكرة العالمية، وصار محطة من محطات الانكسار لكيانه وداعميه.
يحاول العدو اليوم الإيهام بأنه تجاوز التداعيات، والحقيقة أن الداخل لا يزال يعيش تراجع الشعور بالثقة والأمان، ولا تغادر الغاصبين حقيقة أن وضعهم غير طبيعي في أرض محتلة، لذلك فإنهم قد هيأوا أنفسهم لمغادرتها متى ما قرروا ذلك، إذ لا يزالون ومنذ هجرتهم إلى الأراضي المحتلة محافظين على الجنسية الثانية، حيث الدول التي جاؤوا منها.
كما أن استمراره في ممارساته العدوان من قصف وحصار يشير إلى قناعته بأنه لم ينل من هذا الشعب بعد، بحيث يصبر منكسرا وغير قادر على مواصلة كفاحه لاسترداد أراضيه المحتلة، أو بحيث يولّد لديه الرغبة في هجرة القطاع، أو على الأقل استسلامه للإغراءات التي تدعوه لاتخاذ قرار الهجرة.
ولمّا كان الشعب الغزّي على هذا الإصرار واصلت آلة القتل الأمريكية «الاسرائيلية» في حصد أرواح الأبرياء من المدنيين.
لا يزال العدو يتجرع ويلات الطوفان. صحيح أنه وبالتواطؤ الأمريكي استطاع أن يمرر اتفاقا لوقف اطلاق النار بالشكل المفتوح لبنوده، فذهب يعربد بأسلوبه الإجرامي ضد الشعب الأعزل، إلا انه مهما زاد من إجرامه وهمجيته لن يتمكن من محو عار «السبت الأسود».
وتماشيا مع ذلك، لا يبدو أن العدو في وارد التحول إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، فنهمه للانتقام لم ينته بعد، وهذا ليس بالغريب عليه إذ اعتاد في كل الاتفاقات الاكتفاء بالمرحلة الأولى، ثم يعمد إلى تعقيد الوضع بحيث لا يكون بالإمكان التحول إلى مستوى آخر منها.
وقبل أيام قليلة أكد قادة الكيان المتطرفين صراحة عدم وجود النوايا لديهم للخروج من غزة وان عدوانهم عليها مستمر حتى إنهاء المقاومة.
ومثل هذا الكلام كافٍ موضوعي لإقناع العالم بعدم التزام العدو بالاتفاق، إلا أن ذلك من غير المتوقع أن يُحدث أي ردة فعل عملية دولية تعيد هذا الاتفاق إلى مساره الطبيعي، فكل من حضره من شهود وضامنين ومخرجين باستثناء ممثلي المقاومة، هم من المتناغمين مع النهج الأمريكي الصهيوني في الإجرام والمراوغة.
المدعو «ترامب» من جهته يسير وبلا خجل لاحتلال القطاع عبر ما يسمى بمجلس السلام، وبهذا يكون المخطط الأمريكي الصهيوني يسير لفرض رؤية المقاولات التي تجعل من غزة قطعة ارض تجارية سياحية، مجردة بلا انتماء، وهكذا يريدونها.
وحتى ذلك الحين سيظل هذا الـ»ترامب» والـ»نتنياهو» يمارسان أنواع التنكيل بحق النساء والأطفال في غزة، في مسعى أخير لإخلاء القطاع، من الأحرار، إنما هذا ليس بالضرورة أن ينتهي بهما إلى الهدف، فغزة العز، عاشت طوال عقود أشكالاً قاسية من الاستهداف لكنها ظلت شامخة وظل أبناؤها أيقونة الثبات والصمود، عفا الزمن على الكثير من عتاولة الإجرام الصهيوني وبقيت غزة، وستبقى.
