في بلدٍ أثقلته الحروب وضاقت به الموارد يظل مرض السرطان أحد أخطر التحديات الصحية التي تواجه اليمنيين اليوم..
آلاف المرضى يصارعون هذا الداء بصمت في ظل ضعف الإمكانات الطبية وندرة المراكز المتخصصة، بينما تظل يد العطاء الإنساني هي الأمل الذي يتشبث به المرضى للبقاء.
ومن بين ومضات هذا الأمل يبرز مركز علاج الأورام بهيئة مستشفى ذمار العام كصرحٍ إنسانيٍّ يجسّد روح التكافل ويمنح المرضى بصيص حياة في رحلة الألم الطويلة.
الثورة / رشاد الجمالي
مركز علاج الأورام بذمار.. واحة أمل في مواجهة الألم
في قلب محافظة ذمار حيث تتشابك المعاناة مع الأمل ويمتزج الألم بالإصرار على الحياة ينهض مركز علاج الأورام بهيئة مستشفى ذمار العام كأحد أهم الصروح الطبية الإنسانية مقدّمًا خدماته لآلاف المرضى الذين أنهكهم داء السرطان واضعًا نصب عينيه هدفًا ساميًا الشفاء المجاني والعلاج الكريم لكل محتاج.
جاء إنشاء هذا المركز في ظل ازدياد حالات الإصابة بمرض السرطان في المحافظة والذي تأسس عام 2021م ثمرة عطاءٍ خالصٍ من فاعلي الخير يتقدمهم رجل البر والإحسان الحاج محمد عبده داديه – حفظه الله – الذي جسّد مثالًا راقيًا في العطاء المستمر تاركًا بصمة خيرٍ يلمسها كل من قصد المركز طلبًا للعلاج.
نشأة المركز
يقول الدكتور ياسر الحصة مدير مركز علاج الأورام بهيئة مستشفى ذمار:
«تأسس المركز بجهود خيّرة وبتعاون كريم بين صندوق مكافحة السرطان والمركز الوطني لعلاج الأورام بصنعاء، وهيئة مستشفى ذمار العام ليكون منارة علاجية تقدّم خدمات مجانية لأبناء ذمار والمحافظات المجاورة.»
ويؤكد الدكتور الحصة أن المركز يعمل وفق رسالة إنسانية بحتة هدفها التخفيف من معاناة المرضى وتقديم أفضل رعاية ممكنة رغم محدودية الإمكانات.
منظومة متكاملة
يضم المركز أقسامًا متخصصة لتقديم العلاج الكيماوي والمناعي والموجّه بالإضافة إلى جميع الفحوصات المخبرية والتصويرية كالأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي مع توفير أقسام الرقود للرجال والنساء والأطفال وغرفة عزل خاصة للحالات التي تعاني من ضعف المناعة.
كما يحتوي على مختبر متكامل وصيدلية طبية توفّران العلاج الكيماوي والهرموني والمناعي وفق الإمكانات المتاحة من المركز الوطني بصنعاء وصندوق مكافحة السرطان.
تحديات قائمة
ورغم الجهود الكبيرة المبذولة يعاني المركز من نقص في بعض الأدوية والمحاليل المخبرية إضافة إلى الحاجة الماسّة إلى أجهزة طبية متطورة وكادر مؤهل لغرفة العزل.
كما يشير الدكتور الحصة إلى أن كَبينة السلامة لتحضير العلاج الكيماوي بحاجة إلى فلتر جديد لضمان سلامة الكادر والمرضى مؤكدًا أن ذلك من الأولويات العاجلة.
ويضيف: «نحتاج أيضًا إلى مصعد كهربائي لتسهيل نقل المرضى داخل المبنى خصوصًا أن حالتهم الصحية لا تسمح بالحركة الصعبة.
كما أن المركز بحاجة إلى تكييفٍ شاملٍ للمختبرات والأقسام وفرشٍ جديدٍ لأسرّة الرقود والملايات.»
ويختتم بالقول: إن أي دعم – مهما كان بسيطًا – يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في حياة المرضى ويمنحهم الأمل بالاستمرار في رحلة العلاج.
أرقام ودلالات
بلغ عدد المصابين بمرض السرطان في محافظة ذمار 6030 حالة فيما وصل عدد المترددين على المركز إلى نحو 1600 حالة سنويًا وهو رقم متزايد يعكس حجم الكارثة الصحية التي تتطلب استجابة عاجلة من الجهات المختصة والداعمين في المجتمع.
انتشار السرطان بالمحافظة
يشير الدكتور الحصة إلى أن المرض ينتشر بشكل متسارع ومقلق خصوصًا بين النساء حيث يحتل سرطان الثدي المرتبة الأولى بين الحالات المسجلة.
ويعزو ذلك إلى غياب الوعي الصحي بالكشف المبكر وإلى استخدام المبيدات الزراعية بشكل عشوائي دون رقابة ما يجعلها من أبرز مسببات المرض في المحافظة.
ويقول الدكتور الحصة «نحن بحاجة ماسة إلى جهاز (ماموجرافي) للكشف المبكر عن سرطان الثدي وإلى تنفيذ برامج توعوية في القرى والمدن حول الوقاية والعلاج المبكر» يقول الدكتور الحصه.
شكر وامتنان لأهل الخير
في ختام حديثه عبّر الدكتور الحصة عن امتنانه العميق للحاج محمد عبده داديه وأولاده على دعمهم السخي والمتواصل، ولـ صندوق مكافحة السرطان ممثلًا بالدكتور عبدالسلام المداني وهيئة مستشفى ذمار العام والمركز الوطني للأورام بصنعاء وكل الأيادي البيضاء التي تسهم في استمرار رسالة المركز.
ركيزة وطنية في خدمة المرضى
يُعد صندوق مكافحة السرطان أحد الركائز الوطنية في دعم المرضى ومراكز العلاج في مختلف المحافظات إذ يعمل على توفير الأدوية الكيماوية والمناعية، وتمويل البرامج التوعوية والتشخيصية إلى جانب دعم الكوادر الطبية بالمستلزمات الضرورية.
وقد لعب الصندوق دورًا بارزًا في استمرار خدمات مركز علاج الأورام بذمار عبر مدّه بالعلاجات المجانية وتغطية نفقات تشغيلية أساسية مما ساهم في بقاء المركز فاعلًا رغم التحديات والظروف الاقتصادية الصعبة.
دعوة مفتوحة للأمل والعطاء
يبقى مركز علاج الأورام بذمار منارة أملٍ في وجه الوجع، ومثالًا على أن الخير حين يتجسد في خدمة الإنسان فإنه يُخلّد أثرًا لا يزول ويمنح الحياة وجهًا أكثر رحمة وإنسانية.
إنها دعوة مفتوحة لكل من يحمل في قلبه بذرة خير أن يمد يده بالعون، ليظل هذا المركز شمعة مضيئة في دروب المرضى ومصدر أملٍ لا ينطفئ.
