سيناريو الجنوب.. صراع الوكلاء وخرائط الاستباحة

الثورة نت| تقرير ـ هاشم علي

لم يعد ما يجري في جنوب اليمن مجرد خلافات محلية أو تباينات عابرة، بل تحوّل إلى سيناريو معد مسبقًا، تتقاطع فيه مشاريع الهيمنة الإقليمية مع الأجندات الدولية، ويُدار عبر وكلاء محليين جُرّدوا من أي بعد وطني، الجنوب اليوم أصبح ساحة مفتوحة لصراع النفوذ، وخرائط الاستباحة، وتقاسم الغنائم.

منذ تدخل تحالف العدوان السعودي الإماراتي في اليمن عام 2015 تحت شعار «إعادة الشرعية»، بدأت ملامح مشروع آخر بالتشكل على الأرض، مشروع لا علاقة له بالدولة أو السيادة، قوامه تفكيك الجغرافيا، وتمزيق البنية السياسية والاجتماعية، وإحلال منظومة الوكلاء محل أي وجود وطني جامع.

من الغطاء العسكري إلى السيطرة بالوكالة

أظهرت سنوات العدوان أن ’’التحالف’’ لم يكن سوى غطاء هش لمشروعين متوازيين؛ السعودي والإماراتي، يلتقيان عند هدف السيطرة، ويفترقان عند تقاسم النفوذ، ومع فشل العدوان العسكري في تحقيق أهدافه، جرى الانتقال إلى إدارة الاحتلال غير المباشر عبر وكلاء محليين وفصائل مسلحة وأحزاب سياسية مصنّعة خارج الإرادة الشعبية.

تحوّل الجنوب إلى مختبر لإعادة هندسة اليمن، حيث غابت مؤسسات الدولة، وتكاثرت التشكيلات المسلحة، وتعددت مراكز القرار، ما يؤكد أن ما يجري ليس صراعًا داخليًا، بل صراع وكلاء لحساب الخارج.

الإمارات.. أدوات نفوذ وجزر استراتيجية

ركزت أبوظبي جهودها على المناطق الساحلية والجزر والموانئ الحيوية، باعتبارها مفاتيح التحكم بخطوط الملاحة والتجارة الدولية، دفعت الإمارات بقوة نحو إنشاء وتسليح فصائل محلية ذات ولاءات مطلقة، أبرزها المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى جانب تشكيلات عسكرية وأمنية متعددة.

هذه الفصائل لم تُبنَ كقوى وطنية، بل كأدوات لفرض واقع جديد يُقصي أي حضور سيادي، ويفتح الباب أمام تحويل الجزر اليمنية مثل سقطرى وميون إلى قواعد نفوذ تخدم مشاريع أمريكية وبريطانية وصهيونية، كما تم إنشاء مطارات ومهابط عسكرية مشتركة مع العدو الإسرائيلي منذ 2020، ونشر أجهزة استشعار لمراقبة الحركة الجوية والبحرية، بما يعزز النفوذ الجيوسياسي لأبوظبي في المنطقة.

السعودية.. منافسة النفوذ وإدارة الفوضى

سعت الرياض للحفاظ على حضورها في المحافظات الشرقية، خصوصًا المهرة وحضرموت، عبر دعم تشكيلات موالية لها، في محاولة لموازنة النفوذ الإماراتي، هذا التنافس أنتج مزيدًا من الانقسام والفوضى، وخلق بيئة مشحونة بالصراعات، تُدار بالوكالة على حساب المواطنين.

الفصائل السلفية.. فتيل على حافة الانفجار

تزايدت التوترات بين الفصائل الموالية للسعودية والإمارات، مثل درع الوطن والعمالقة والحزام الأمني، مما جعل جنوب وشرق اليمن على حافة انفجار أمني، حوادث مثل اختطاف الضابط السلفي علي أحمد هادي الصقري في عدن تكشف عمق الصراع بين هذه الفصائل، وما يشكّله من تهديد مباشر على السكان، ويؤكد ارتباط هذه الفصائل بأجندات خارجية.

المواطن الجنوبي.. الضحية الأكبر

في خضم هذا الصراع، المواطن الجنوبي هو الخاسر الأكبر: انهيار اقتصادي متسارع، انفلات أمني، اغتيالات، اختطافات، غياب الخدمات الأساسية، وانهيار العملة والمعيشة، خصوصًا في عدن.

ووفق تقارير دولية، تحولت عدن اليوم إلى مدينة شبه مشلولة، مع انقطاع مستمر للكهرباء والمياه، وارتفاع معدلات الفقر، ما يعكس نتائج الاستباحة السياسية والعسكرية والاقتصادية التي فرضها العدوان وأدواته.

التطبيع والارتباط بالمشروع الصهيوني

الأخطر في الجنوب هو انكشاف خيوط الارتباط المباشر بين الوكلاء والمشروع الصهيوني، سواء عبر لقاءات سرية أو تنسيق أمني غير معلن، في محاولة لكسب دعم دولي لمشاريع انفصالية، هذه التحركات تجعل الجنوب منصة للمشروع الأمريكي-الصهيوني، وتحوّل الصراع المحلي إلى تهديد للأمن القومي اليمني والعربي.

الجنوب.. بين الاستباحة والمستقبل المجهول

ما يُراد للجنوب اليوم ليس دولة، ولا حتى وجودًا مستقراً، بل مساحة رخوة تُدار بالفوضى وتُستخدم كورقة ضغط في صراعات إقليمية ودولية، ومع استمرار صراع الوكلاء، يبقى مستقبل الجنوب رهينة إرادة الخارج، ما لم يُكسر هذا السيناريو.

كسر السيناريو.. الطريق إلى الاستقلال الوطني

سيناريو الجنوب ليس قدرًا محتومًا، بل مشروع عدواني قابل للسقوط، كما سقطت رهانات العدوان العسكري أمام صمود الشعب اليمني، ستسقط رهانات التفكيك والاستباحة، لأن اليمن لا يُدار بالوكلاء، ولا تُكسَر إرادته بالفوضى.

السيادة لا تُمنح، بل تُنتزع، ومعركة اليمن، شماله وجنوبه، واحدة ضد العدوان وأدواته، مهما تنوّعت المسميات وتبدّلت الواجهات.

قد يعجبك ايضا