اليمن واحد ولن يسمح بتمزيقه حقيقة راسخة في وجدان شعب كامل قبل أن تكون شعارا سياسيا أو موقفا رسميا. فرغم ما مرت به البلاد من صراعات وانقسامات وتدخلات خارجية سعت إلى إعادة تشكيل الجغرافيا والهوية ظل اليمنيون يتمسكون بخيط الوحدة كقيمة وطنية لا تقبل المساومة باعتبارها الإطار الوحيد القادر على حماية الدولة وصون كرامة المواطن وضمان مستقبل آمن للأجيال القادمة.
ولعل ما يميز هذه القناعة أنها لم تتراجع رغم قسوة الظروف بل ازدادت صلابة كلما اشتدت محاولات تفكيك البلاد أو تحويلها إلى رقعة تتنازعها القوى المتصارعة.
في السنوات الأخيرة حاولت أطراف عديدة فرض واقع جديد يتجاوز إرادة الناس إما بالترهيب المسلح أو بإثارة النزعات المناطقية التي لا تخدم سوى مشاريع ضيقة. ومع ذلك أثبت اليمنيون في مختلف مناطقهم أن الوطن أكبر من كل الاصطفافات وأن أي محاولة لفرض الانقسام تواجه بمقاومة اجتماعية صامتة تارة وصريحة تارة أخرى أساسها الإدراك العميق بأن تمزيق اليمن لن يجلب سوى الفوضى والخراب للجميع دون استثناء. فالمواطن البسيط الذي يبحث عن الأمن والعيش الكريم يدرك أن مصيره مرتبط بوحدة الأرض واستقرارها وأن البدائل المرهونة للخارج لا تعدو كونها أوهاما سرعان ما تتلاشى أمام الواقع.
لقد كشفت التجربة خلال العقد الماضي أن الحروب لا تبني دولا وأن الشعارات الانفصالية مهما بدت جذابة للبعض فإنها لا تصمد أمام الأسئلة الجوهرية: كيف تدار الدولة؟ كيف تحفظ الحقوق؟ وكيف تبنى مؤسسات تحمي الجميع؟ الإجابة المنطقية التي يخلص إليها معظم اليمنيين هي أن الحل يكمن في دولة واحدة عادلة تستوعب كل مكوناتها وتمنح كل منطقة حقها في المشاركة والتمثيل وتبني علاقة جديدة بين المواطن والدولة تقوم على الثقة والمساواة وسيادة القانون.
الوحدة بالنسبة لهم ليست حدودا مرسومة على الخريطة بقدر ما هي مشروع وطني لا يزال بإمكانه أن ينهض إذا توفرت الإرادة السياسية والرؤية الصادقة.
كما يدرك اليمنيون أن التحديات التي تواجههم من إعادة الإعمار إلى مواجهة الفقر وتحسين الخدمات الأساسية تتطلب تضافر الجهود تحت مظلة وطن جامع لا كيانات متفرقة تتنافس على البقاء. فالاقتصاد الموحد أقوى ومؤسسات الدولة الموحدة أقدر على حماية السيادة وضبط الأمن وتقديم الخدمات. وحتى على المستوى الإقليمي والدولي لا يزال اليمن الموحد يتمتع بثقل سياسي لا يمكن تجاهله في حين أن أي تقسيم سيحول البلاد إلى ساحات نفوذ متناحرة ويضعف قدرتها على فرض مصالحها.
إن الإيمان بوحدة اليمن ليس موقفا عاطفيا فحسب بل هو قراءة واقعية للتاريخ والجغرافيا والتركيبة الاجتماعية. هو إدراك أن التداخل العميق بين أبناء المحافظات من النسب والتجارة والتعليم والعمل يجعل فكرة التقسيم غير قابلة للتطبيق عمليا وأن أي محاولة لفرضها ستخلق أزمات لا نهاية لها. ورغم كل ما يبدو من تعقيدات المشهد السياسي يظل الأمل حيا بأن اليمن قادر على تجاوز محنته طالما بقيت وحدة ترابه خطا أحمر يتفق عليه الجميع.
وفي النهاية فإن القول بأن اليمن واحد ولن يسمح بتمزيقه ليس مجرد رسالة سياسية بل هو تعبير عن إرادة شعب عانى كثيرا وفهم أن خلاصه لن يكون إلا تحت راية وطن واحد قوي قادر على حماية مصالحه وترسيخ هويته وصناعة مستقبل يستحقه.
