الشهيد …حكاية الخلود في ذاكرة الوطن

كفاح عادل

 

في كل وطن تروى فيه حكايات المجد، يطل وجه الشهيد كفجر لا يأفل وكقنديلٍ يبدد عتمة الدروب حين يشتد الليل.

ليس الشهيد رقما في سجل الحرب ولا صورة مؤطرة على جدار تكسوها الذكريات، بل هو النبض الذي يسري في شرايين الأرض والضمير الذي لا يهدأ في ذاكرة الأجيال. هو الحاضر الغائب الذي يسكن الوجدان فتنبض الأوطان باسمه وتزهر الحقول من دمه.

الشهيد يولد مرتين، مرة من رحم الأم ومرة من رحم الوطن. في لحظة الفداء لا يسمع ضجيج المدافع ولا يخشى الموت، بل يرى في عيون رفاقه الحياة تتجلى في أبهى معانيها. يقدم جسده جسراً يعبر عليه الآخرون إلى بر الأمان ويترك خلفه دمعا حارا ممزوجا بفخر عظيم. هو الذي فهم أن العبور إلى الخلود لا يكون إلا عبر باب التضحية وأن المجد الحقيقي يكتب بالدم لا بالحبر.

حين يشتد العصف وتضيق الأزمنة يصبح الشهيد المعنى الأصدق للانتماء. هو الذي آمن أن الأرض لا تصان بالكلمات ولا تحمى بالشعارات، بل بالفعل وبالدم الطاهر الذي يخط على التراب حروف الكرامة. لذلك، حين نذكره لا نرثيه بل نحتفي به كما يحتفى بالشمس حين تشرق بعد ليل طويل. لقد علمنا أن الوطن ليس حدودا ترسم على الخرائط بل أم تتنفس من صدور أبنائها وأن الحرية لا تمنح بل تنتزع والكرامة لا تشترى بل تصان بالتضحيات.

تمر الأعوام وتتبدل الوجوه لكن ملامح الشهداء تبقى ثابتة في ذاكرة الوطن كالنجم في سمائه. في كل بيت لهم صورة وفي كل شارع اسم وفي كل قلب دعاء. الأمهات يربين أبناءهن على قصصهم والمعلمون يزرعون سيرهم في عقول الطلبة وكأن الوطن بأسره يردد: من مات لأجلي حي في إلى الأبد.

دماؤهم لا تجف بل تتحول إلى نهر يسقي شجرة العزة فتثمر أمنا وعدلاً وكرامة ومن ذلك النهر تولد الأوطان الحقيقية تلك التي تشيّد في القلوب لا على الورق.

وحين نكتب عن الشهيد فإننا لا نستعيد ماضيا انقضى بل نرسم ملامح مستقبل يبنى بدماء الطهر والإيمان. ذكراه ليست مرثية تتلى، بل نشيد يغنى في كل صباح ووعد أن تظل رايته خفاقة ما دام في الأمة نبض وفي القلب وطن.

سلام على من وهبوا أرواحهم لتبقى الحياة أجمل وسلام على من عبروا إلى الخلود ليعلمونا أن الموت في سبيل الحق حياة.

قد يعجبك ايضا