الحملة الوطنية لمكافحة البلهارسيا والديدان خطوة جاده نحو معالجة نوعية تشمل جميع المديريات



حتى مع وجود مياه شرب نظيفة وآمنة لا يجد البعض بْداٍ في استعمال مياه موبوءة إلى حدُ كبير بالطور المعدي لمرض البلهارسيا لغرض الري أو لغسل الملابس أو السباحة أو حتى للوضوء والاغتسال..
على ما يبدو تشيع هذه الممارسات في الأرياف اليمنية التي لا يزال الناس يعتمدون فيها على مصادر المياه غير الآمنة وعلى رأسها البرك المكشوفة بما في ذلك برك المساجد التي تشيع كثيراٍ في الأرياف والتي تحتوي- عادةٍ – على مذنبات الطور المرضي للبلهارسيا وهي كائنات مجهرية لا ترى بالعين المجردة لكنها تهاجم الإنسان مخترقة الجلد عبر الأنسجة الجلدية الرخوة فيصيبه بالمرض ليدخل بعدها في خضم معاناة تصل ذروتها عند ظهور المضاعفات التدميرية الخطيرة للمرض بعد مدة طويلة على الإصابة والتي قد تمتد إلى سنوات متعددة.
عالمياٍ ثمة (600مليون) مصاب بهذا الداء الطفيلي وما مجموعه (ملياري) مصاب بالبلهارسيا والديدان المنقولة بواسطة التربة أي نحو ثلث سكان العالم وتتركز معظم هذه الإصابات في (74) دولة حول العالم بأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
في وقتُ يحتل فيه المرض مرتبة متقدمة في اليمن هي الأعلى مقارنةٍ ببقية الأمراض الوبائية الشائعة والنتيجة أن (3ملايين) يمني يرزح تحت وطأة الإصابة بهذا الداء الخطير – بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية- والتي تشير – أيضاٍ- بأن المرض يستوطن إقليم شرق البحر المتوسط ولا يزال يشكل وباءٍ يطغى على المشهد في عددُ من دوله وهي(اليمن السودان المغرب جنوب المملكة العربية السعودية العراق الصومال وأفغانستان).
فالبلهارسيا بنوعيها (البولية والمعوية) شائعة يعرفها الجميع مطلقين عليها في بعض الأوساط الشعبية اسم (مرض التبول الدموي) حد قول الدكتور/ أحمد الصعفاني – استشاري الأمراض الباطنية ذلك لأن المصاب بالبلهارسيا البولية يشكو عادة من خروج قطرات من الدم مع البول أو في نهايته.
وفي إشارة إلى حقبة اكتشاف مرض البلهارسيا في نهاية القرن التاسع عشر بعد عصور متلاحقة ظل خلالها مجهولاٍ تماماٍ أكد الدكتور/ أحمد كمال- اختصاصي الأمراض الاستوائية أن العالم(تيودور بلهارس) كشف النقاب عن هذا المرض لدى اكتشافه الطفيلي في جثة أحد الموتى في كلية الطب بمدينة الإسكندرية.
ويؤكد الدكتور/عبد الحكيم الكحلاني- مدير عام مكافحة الأمراض والترصد الوبائي بوزارة الصحة تزايد اهتمام وزارة الصحة العامة والسكان والبنك الدولي بمشروع مكافحة وباء البلهارسيا منذ سنوات.
لافتاٍ إلى أن ما يقرب من (45 مليون) جرعة من الدواء المضاد للبلهارسيا تم تناولها خلال السنوات الثلاث الماضية ما أثمر في خفض مستوى الإصابة بالمرض إلى حدُ ما.
وأوضح الدكتور/ الكحلاني بأن المرحلة الثانية للحملة الوطنية لمكافحة البلهارسيا يجري تنفيذها في الفترة من(5-8 يناير الجاري)عبر المرافق الصحية والمدارس في(143) مديرية تتوزع على(19)محافظةº في كلُ من (حجة إب لحج تعز صنعاء الحديدة ذمار عمران البيضاء الجوف حضرموت الساحل المحويت الضالع شبوة صعدة مأرب حضرموت الوادي والصحراء ريمة أبين).
مشيراٍ إلى أنها تستهدف معالجة المرضى ووقاية غير المرضى من الملتحقين وغير الملتحقين بالمدارس من عمر(6 -18 سنة) وعددهم(3,772,825) طفلاٍ.
واعتبر مدير عام مكافحة الأمراض والترصد الوبائي المرحلة الثانية من الحملة أنها تعتمد على معايير فهي تشمل المديريات التي انخفضت فيها نسبة انتشار البلهارسيا إلى أقل من(10%) نتيجة التدخلات العلاجية على امتداد النصف الأول من مشروع البلهارسيا.
ونوه أنها آخر حملة معالجة جماعية في هذه المديريات لضمان تغطية الملتحقين وغير الملتحقين بالمدارس من عمر(6-18سنة) الذين تخلفوا عن المعالجة خلال الحملات السابقة بما يضمن علاج المصابين جميعاٍ حتى لا يكونوا سبباٍ في نقل الطفيلي وانتشاره مرة أخرى في تلك المديريات.
وذكر الكحلاني بأن هذه الحملة تعد التاسعة منذ بدء مشروع مكافحة البلهارسيا الممول من البنك الدولي في بداية العام 2010م وبأنها تتيح معالجة جماعية يتم فيها تجريع المستهدفين في سن المدرسة دواء(البرازيكوانتيل) المضاد للبلهارسيا عبر الفم بمعية دواء فموي آخر مضاد للديدان التي تنتقل بالتربة يسمى(البندازول).
ويصف الدكتور/ سامي الحيدري- مدير البرنامج الوطني لمكافحة البلهارسيا ما تشكله البلهارسيا من خطورة لدى إهمال أو غياب المعالجة من البداية.. بالخطر الداهم الذي قد يكلف المصاب حياته بعد أن يدمر صحته بعنفوانُ شديد.
وقال: للإصابات المزمنة بالبلهارسيا علامات مرضية واضحة مثل فقر الدم الشديد وتضخم الطحال والكبد.
إلى جانب تسببها بالنسبة للأطفال بسوء التغذية وضعف البنية والهزال وانخفاض مستوى الاستيعاب والذكاء.
وبين الدكتور/ الحيدري بأن المضاعفات الناتجة عن الحالات المزمنة كثيرة لافتاٍ إلى أن أسوأها وأخطرها الفشل الكلوي وسرطان المثانة وسرطان القولون ونزيف الشريان البابي للكبد المؤدي إلى الوفاة.
وأشار إلى حقيقة تأثير مرض البلهارسيا على الحالة الاقتصادية للبلد وما يشكله من عبء اقتصادي يْلقي بضلاله على الدولة والمواطن- أيضاٍ- لما يمثله علاج الحالات المرضية المزمنة من مسؤوليات إضافية على البلاد تستنفذ الكثير من مواردها المالية ولأن وفاة عائل الأسرة بسبب مضاعفات البلهارسيا – من جراء إهمال علاج المرض- له بالغ الأثر على الوضع الاجتماعي والمعيشي للأسرة.
ويبرر الدكتور/أحمد علي قائد- أستاذ الوبائيات المساعد بكلية الطب- جامعة ذمار صعوبة القضاء على داء البلهارسيا لاتصالها المباشر باستعمالات الناس غير الحذرة للمياه الموبوءة بالمرض وعدم تسلحهم بالوعي الكافي مما يجعلهم بعيدين كل البعد عن معرفة الإجراءات الوقائية والالتزام بها .
وعِزِى هذا الوضع – بما يزيد المشكلة امتداداٍ- إلى صعوبة تأمين المياه النظيفة والآمنة – كما هو الحال في الكثير من الأرياف- لأسبابُ ترتبط بظروف الأرياف المتناثرة على قمم وسفوح الجبال وجوانب الأودية الصعبة.
فيما تؤكد الدراسات أن القرى التي تزيد فيها نسبة الإصابة بالبلهارسيا تقل وتتضاءل فيها هذه النسبة- إلى الحد الأدنى- عند مدِها بالمياه الصالحة للشرب وبناء المساكن والمرافق الصحية والحمامات باعتبار ذلك يجسد طريقة مْثلى لتحسين البيئة وإحدى الوسائل الفاعلة في مكافحة هذا المرض الخطير الذي يشكل تهديداٍ لصحة الإنسان.
غير أنه لا ينبغي أن لا تصل بنا وجود عراقيل إلى حد التسليم بالأمر الواقع دون تدخل قوي يعيق ويقوض انتشار هذا المرض هكذا يرى الدكتور/ أحمد علي مؤكداٍ بأن الناس في المناطق الموبوءة قادرين على أن يكونوا فاعلين في مكافحة البلهارسيا من خلال نهجهم السلوكيات الصحية الكفيلة بالحد تماماٍ من الإصابة بالمرض بما يؤمن ويعزز القضاء عليه ويعمل على الدفع بمساعي وزارة الصحة العامة والسكان نحو التخلص منه واجتثاثه تماماٍ.
وفي معرض استنكاره للسلوكيات غير الصحية السائدة في أغلب الأرياف يقول مدير البرنامج الوطني لمكافحة البلهارسيا: إن الاستحمام والوضوء والسباحة والشرب وغسل الأواني والملابس وغيرها من الاستعمالات المباشرة لمياه البرك والحواجز المائية والسدود والغيول البطيئة الجريان وغيرها يْبقي الناس عرضة للإصابة بالبلهارسيا وأفظعها اقتراف أعمال قبيحة لا أخلاقية كالتبول والتبرز في مصادر المياه أو حتى على مشارفها.
ووصف هذه القاذورات بأنها لا تفسد المياه وتلوثها بمختلف الأمراض الخطيرة وحسب بل إنها- أيضاٍ- السبب الذي أفرده للعدوى بالبلهارسيا وانتشارها واستكمالها لدورة الحياة.
مشدداٍ على أهمية الالتزام بالنظافة الشخصية واتخاذ المراحيض لقضاء الحاجة كون جدوى معالجة البلهارسيا تقل وتضعف بمعزلُ عن الالتزام بقواعد الوقاية للقضاء على هذا الداء الوخيم.
وتابع الدكتور/ الحيدري القول: إن تنفيذ حملات وطنية للتخلص من البلهارسيا في اليمن لن يكفي بمعزلُ عن ترسيخ القيم والسلوكيات الوقائية معتبراٍ مقياس النجاح لبلوغ هدف التخلص من البلهارسيا والقضاء عليها أنه مرهون بالوقاية والالتزام بتدابيرها وإجراءاتها إلى جانب المعالجة.
إلى ذلك دعا الدكتور/ الكحلاني جميع من هم في سن المدرسة من(6-18سنة) في سائر المديريات المستهدفة خلال الحملة لتلقي المعالجة ضد البلهارسيا وكذا المضادة للديدان الطفيلية التي تنتقل بالتربة من خلال التوجه إلى أقرب مرفق صحي أو مدرسة.
كما أكد على أهمية تناول الطعام بشكل جيد قبل التوجه لأخذ العلاجين وأن لا أحد يسْتثنى من هذه المعالجة سوى النساء الحوامل والمصابين بالأمراض المزمنة الشديدة في الكلى أو القلب أو الكبد.
لافتاٍ إلى أن العلاجين يقدمان بالمجان في هذه الحملة دون أي مقابل بالاعتماد على قياس طول الجسم في تحديد كمية الجرعة الفموية الملائمة لكل شخص///
* المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني
بوزارة الصحة العامة والسكان

قد يعجبك ايضا